للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولعل انتصار المسلمين شرقاً وغرباً، بالرغم من تفوق عدوهم عليهم مادياً، في القرن الأول الهجري، خير دليل على أن المقاييس المادية وحدها، لا تصلح في التطبيق على المسلمين، في ذلك القرن بالذات، للحكم لهم أو عليهم في تطبيق مبدأ تحشيد القوّة.

وإلاّ فكيف نعلل انتصارهم في الأندلس، على الكثرة الكثيرة، في القرن الأول الهجري؟ فلما أصبحوا كثرة كثيرة بعد قرون من فتح الأندلس واستيطانهم في ربوعها، هُزموا وخسروا ما فتحه أجدادهم، وطُرد مَن طُرد منهم، وشُرِّد مَن شُرِّد، وقُتل من قتل، ونُصِّر مَن نُصِّر منهم قسراً؟

إن انتصارات المسلمين في القرن الأول الهجري، قرن الفتوح والانتصارات، كان انتصار عقيدة بلا مراء.

هـ - الاقتصاد في المجهود (١):

إذا كان بالإمكان حدوث اختلاف بين الباحثين، حول تطبيق طارق مبدأ: تحشيد القوّة، فليس بالإمكان حدوث مثل هذا الاختلاف في تطبيق طارق مبدأ: الاقتصاد في المجهود، إذ أن تطبيقه كان مثالياً حقاً، وكيف لا يكون كذلك، وقد تم الإنزال بسبعة آلاف مجاهد، وتم بهذه القوة الصغيرة نسبياً بالنسبة للقوات القوطية المتفوقة مراحل: تأسيس رأس جسر للمسلمين في البر الأندلسي، وتكوين قاعدة أمامية متقدمة للمسلمين في منطقة جبل طارق وحمايتها، والانطلاق شمالاً، وفتح المنطقة الشاسعة بين جبل طارق ووادي لَكّة، كل ذلك جرى بسبعة آلاف مجاهد حسب.

وجاء المدد من موسى إلى طارق قبل خوض المسلمين معركة وادي لَكّهْ، وهي المعركة الأندلسية الحاسمة، وكان المدد خمسة آلاف مجاهد فقط،


(١) الاقتصاد بالمجهود: هو استخدام أصغر القوّات للأمن أو لتحويل انتباه العدو إلى محل آخر، أو صدّ قوّة معادية أكبر منها، مع بلوغ الغاية المتوخاة.
إن الاقتصاد بالمجهود، يدل على الاستخدام المتوازن القوى، والتصرّف الحكيم بجميع المواد لغرض الحصول على التّحشّد المؤثّر في الزمان والمكان الحاسمين.

<<  <  ج: ص:  >  >>