فلما بلغ طارقاً دنوُّه، قام في أصحابه، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله، ثم حثّ المسلمين على الجهاد، ورغّبهم، ثم قال:
"أيها الناس، أين المفر؟ البحر من ورائكم، والعدوّ أمامكم، وليس لكم والله إلاّ الصدق والصبر، واعلموا أنكم في هذه الجزيرة أضيع من الأيتام في مأدبة اللِّئام. وقد استقبلكم عدوّكم بجيشه وأسلحته، وأقواته موفورة، وأنتم لا وَزَرَ لكم إلاّ سيوفكم، ولا أقوات إلاّ ما تستخلصونه من أيدي عدوّكم، وإن امتدّت الأيام على افتقاركم ولم تنجزوا لكم أمراً ذهبت ريحكم، وتعوّضت القلوب من رُعبها منكم الجراءة عليكم، فادفعوا عن أنفسكم خذلان هذه العاقبة من أمركم بمناجزة هذا الطاغية، فقد ألقت به إليكم مدينته الحصينة، وإنّ انتهاز الفرصة فيه لممكن إن سمحتم لأنفسكم بالموت. وإني لم أُحذّركم أمراً أنا عنه بنجوة، ولا حملتكم على خُطة أرخص متاع فيها النفوس (إلاّ وأنا)(١) أبدأ بنفسي. واعلموا أنكم إن صبرتم على الأشقّ قليلاً، استمتعم بالأرفهِ الألذِّ طويلاً، فلا ترغبوا بأنفسكم عن نفسي، فما حظكم فيه