ويضاف إلى هذه المساوئ إلاضطهاد الديني بألوانه: اضطهاد القوط للكاثوليك حين كانوا أريوسيين، ثم اضطهادهم لليهود على النحو الذي رأيناه في أيام لذريق، مما جعلهم يميلون إلى الخلاص من حكم القوط، وقد اتهمهم القوط بالتآمر على سلامة الدولة مع قوم خارج إسبانيا، لكي يسوِّغوا عسفهم بهم، والغالب أن رجال الدين الكاثوليك كانوا هم المحرضين على هذا الاضطهاد، ولو أن يهود إسبانيا كانوا على اتصال مع يهود إفريقية ويهود أوروبة أيضاً، عداوة للقوط وللكاثوليك، ومحاولة لإلحاق الأذى بهم ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا.
وحينما تقادم العهد بالقوط في إسبانيا، وتمتعوا بخيراتها الوفيرة، مالت بهم نفوسهم إلى الدعة، وجعلوا يكلون أمور الحرب إلى عبيدهم، حتى زاد عدد العبيد على عدد الأحرار في الجيش. ويبدو أن الحروب المتعددة بين ملوك القوط ونبلائهم هي التي حفّزت هؤلاء الملوك إلى الاستكثار من هؤلاء العبيد في الجيش، لأن أعداد محاربي القوط القليلة توزعت بين الملوك والثائرين، وكانت كثرة العبيد في الجيش من أسباب ضعفه، لأنهم كانوا ساخطين على الدولة، ينتظرون الفرصة للتخلي عنها وتركها لمصيرها (١).
[ز - الحالة الثقافية:]
لابد من الإشارة إلى حال الثقافة بألوانها في البلاد قبل الفتح الإسلامي، فهذه هي الناحية الوحيدة التي سيجد فيها المسلمون أساساً طيباً يزيدون عليه. وقد كانت إسبانيا منذ فجر التاريخ بلد ثقافة وموطن علم وفنٍ، وضع الفينيقيون أساس ذلك كله، وزاد عليه اليونان والرومان. ثم أقبلت المسيحية فأنعشته وسارت به خطوات إلى أمام. ولعل في هذا بعض ما يفسر لنا سرّاً من أسرار الازدهار الفكري السريع الذي حققه المسلمون في إسبانيا، على قلة