للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اتصالهم بمنابع الثقافة القديمة والوسيطة في العالمين المسيحي والإسلامي. لقد تأصلت المسيحية في إسبانيا بأسرع مما تأصلت في فرنسة مثلاً، فلم يكد القرن السادس الميلادي يهل، حتى كانت البلاد تفيض بالأديرة يقيم فيها الرهبان يدرسون ويتذاكرون، والكنائس يقوم بأمرها قسس معنيون بالدرس مشغوفون بالكتابة والتأليف.

وقد تركت أيام القوط في إسبانيا قبل الفتح الإسلامي آثاراً في الدراسات الدينية المسيحية بخاصة الأخلاقية مقتبسة من الأفكار اليونانية والرومانية على الأكثر، والتاريخية التي تفسر التاريخ تفسيراً دينياً مسيحياً، والأدبية.

ولم يخلِّف القوط في الفنون إلاّ ثروة معمارية فقيرة جداً، وينسب بعض مؤرخي الفنون العقد المخمّس إلى القوط (١).

وخلاصة القول، إن إسبانيا القوطية، لم تكن شرّاً كلها، كما يذهب قسم من المؤرخين الفرنسيين والعرب، ولم تكن خيراً كلها، كما يزعم الإسبان، وإنما كانت جوانبها الإجتماعية ضعيفة جداً، بل تُعد امتداداً للعصر الروماني المضمحل. لأن القوط أنفسهم كانوا قبائل متبدّية لا تملك من الأسس الاجتماعية ما يعينها على تنظيم بلد واسع كإسبانيا، ومجتمع متشعب مختلف كمجتمعها الذي ضم أخلاطاً من كل صنف. وقد حاولوا أن يتخذوا مظاهر النظام السياسي الروماني فلم يوفقوا، لأنهم كانوا أبعد من أن يفهموه أو يستطيعوا البناء عليه، ولم يصب الناس من وراء ذلك إلاّ شرّ بالغ.

وأما التاحية الفكرية، فكانت خيراً خالصاً، لأن الذين قاموا بها كانوا من الإسبان الأصليين بعد أن اعتنقوا المسيحية وتأثروا بها، فلا عجب أن يظهر من بينهم بعض العلماء، لأن البلد كان قبل ذلك موطن حضارة فكرية وفلسفة باقية الأثر في عهود الرومان.

لقد سبقت إسبانيا المسيحية أوروبة الغربية كلها في هذه الناحية (٢)، كما


(١) Ballesteros. op. cit. p. ٩١.
(٢) اعتمدنا في هذه الدراسة بالدرجة الأولى، على: فجر الأندلس (٢ - ٣١)، فللمؤلف =

<<  <  ج: ص:  >  >>