وكانت هذه الهجرة الغامرة من مختلف القواعد الأندلسية في الشرق والغرب، إلى ذلك الوطن الأندلسي الجديد غرناطة، تضفي على التكوين العنصري لسكان مملكة غرناطة طابعاً خاصاً، وبالرغم من أن العناصر الأساسية التي تتكون منها الأمة الأندلسية، هي العرب والبربر والمولدون - وهم أعقاب الإسبان الذين أسلموا منذ الفتح - لبثت على كرّ العصور دون تغيير، فإنه يلاحظ أن الجموع الوافدة على المملكة الإسلامية الجديدة، كانت تضم كثيراً من العناصر التي صقلتها حضارة أرقى، ومن ثم فإنه يمكن القول: إن الأمة الأندلسية الجديدة، كانت تمثل أطيب وأثمن ما بقي من القيم العنصرية والحضارية للأندلس. وكان المولّدون يمثلون في المجتمع الأندلسي الجديد مثولاً قوياً، وكان أولئك المولدون قد نَمَوْا بمضي الزمن حتى غَدَوْا عنصراً مهماً بين سكان الأمة الأندلسية، وكان العرب والبربر ينظرون إليهم بشيء من الريب، وكانوا بالرغم من تمتعهم في ظل الحكومات الإسلامية المتعاقبة بنفس الحقوق التي يتمتع بها باقي المسلمين، ينزعون إلى الثورة في أحيان كثيرة، وكان لهم شأن في إضرام بعض الثورات الخطيرة التي اضطرمت ضد حكومة قرطبة، مثل ثورة الربض، وثورة طليطلة أيام الحكم بن هشام، وثورة بني قسيّ في الثغر الأعلى، وقد كان جدهم الكونت قسيّ قوطياً نصرانياً. وكان المولدون أعوان ابن حفصون، أعظم وأخطر ثوّار الأندلس، وهو الذي استطاع بمؤازرتهم وبمؤازرة النصارى المعاهدين، أن يؤسس مدى حين مملكة مستقلة في منطقة رندة (أواخر القرن التاسع الميلادي)، وكان ابن حفصون مولداً يرجع إلى أصل نصراني. على أن المولدين كان لهم موقف آخر ضد القادمين من إفريقية، ففد وقفوا إلى جانب مواطنيهم الأندلسيين ضدّ المرابطين ثم الموحّدين، وكان عماد الثورة ضدّ المرابطين زعيم أندلسي من المولدين هو محمد بن سعد بن مردنيش أمير بلنسية ومرسية. وكان يتحدث