سقطت قواعد الأندلس الشهيرة، في سلسلة من المعارك والمحن الطّاحنة، التي تقلب فيها المسلمون في الأندلس، منذ انهيار صرح الخلافة الأموية في الأندلس، في أواخر القرن الرابع الهجري، وظهرت دول الطوائف الصغيرة المفكّكة، على أنقاض دولة عظيمة شامخة. وكان سقوط كل قاعدة من هذه القواعد الأندلسية الشهيرة، يمثّل ضربة مميتة للدولة الإسلامية في الأندلس، ويُحدث أعمق الأثر في جنبات الدول الإسلامية شرقاً وغرباً. وكان المسلمون الأندلسيون، كلما سقطت قاعدة من قواعدهم الشهيرة، في يد عدوّتهم القديمة المتربصة بهم - إسبانيا النصرانية - ألفَوْا عزاءهم في قواعدهم الباقية الأخرى، وهرعوا إليها استبقاء لحرياتهم ودينهم وكرامتهم، حتى لم يبق من تلك القواعد غير غرناطة وأعمالها تؤلف مملكة إسلامية صغيرة، استطاعت أن تثبت أمام العاصفة أكثر من قرنين من عمر الزمن.
والحق أن مصير الأندلس، كان في مهب الريح، منذ أخفقت دول الطوائف في توحيد صفوفها، فغلب عليها الخلاف والتفرّق، وانحدرت إلى معترك الحرب الأهلية، تفسح لعدوّها الخَطِر مجال التفوق عليها، والضرب والتفريق بينها. وقد استطاع بعض العقلاء من الأندلسيين المسلمين، حتى في ذلك العصر، الذي كان الإسلام يسيطر فيه على معظم أنحاء الأندلس، أن يستشفوا ما وارء هذا التفرق من خطر داهم على حاضر المسلمين ومستقبلهم في الأندلس، فنرى ابن حَيَّان مؤرخ الأندلس في القرن الخامس الهجري، يقول لنا بعد أن يصف حوادث سقوط (بربشتر) من أعمال الثغر الأعلى (أراغون)، في يد النصارى في سنة ٤٥٦ هـ (١٠٦٣ م) وما اقترن بسقوطها من القتل والسّبى وشنيع الاعتداء: (وقد أشفينا بشرح هذه الحالة الفادحة،