أ - لبث الموريسكيون في عهد فرديناند الخامس (الكاثوليكي) زهاء عشرين عاماً، يتراوحون بين الرجاء واليأس، ويرزحون تحت وطأة المطاردة المنظمة. كان هذا الشعب المهيض الذي تنصّر قسراً، والذي أنكرته مع ذلك إسبانيا سيدته الجديدة، وأنكرته الكنيسة التي عملت على تنصيره، يحاول أن يروّض نفسه على حياته الجديدة. وأن يتقبل مصيره المنكود بإباء وجلد. ولكن إسبانيا النصرانية، لبثت ترى في هذه البقية الباقية من الأمة الأندلسية، عدوّها القديم الخالد، وتتصوّر أن هذا المجتمع المهيض الأعزل، الذي أحكمت أغلالها في عنقه ما يزال مصدر خطر دائم على سلامتها وطمأنينتها، ومن ثم كان هذا الإمعان في مطاردته وإرهاقه، بمختلف الفروض والقيود والمغانم، وفي انتهاك عواطفه وحياته، وفي تعذيبه وتشريده، وكان يلوح أن ليس لهذا الاستشهاد الطويل المؤثر من آخر سوى الفناء ذاته.
توفي فرديناند الكاثوليكي في (١٣ كانون الثاني - يناير ١٥١٦ م) بعد أن عانت بقية الأمة الأندلسية من غدره وعسفه ما عانت، وكانت زوجه الملكة إيزابيلا قد سبقته إلى القبر قبل ذلك بأحد عشر عاماً، في (٢٦ تشرين الثاني - نوفمبر سنة ١٥٠٤ م)، ودفنت تحقيقاً لرغبتها في غرناطة. في دير سان فرانسيسكو القائم فوق هضبة الحمراء، ودفن فرديناند إلى جانب زوجته بالحمراء، تحقيقاً لوصيته، ثم نقل رفاتهما فيما بعد إلى كنيسة غرناطة العظمى، التي أقيمت فوق موقع مسجد غرناطة الجامع، في عهد حفيدهما الإمبراطور شارلكان، وأقيم لهما فيها ضريح رخامي فخم، ما يزال حتى اليوم في مقدمة مزارات غرناطة النصرانية. وفي دفن مستعبدي غرناطة الإسلامية في حرم غرناطة القديم، مغزى خاص ينطوي على تنويه ظاهر بظفر إسبانيا، وظفر النصرانية على الإسلام.