للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد كان الغدر والرياء، أبرز صفات هذا الملك العظيم المظفّر، الذي أتيح له القضاء على دولة الإسلام بالأندلس. وقد نوّه بهذه الصفة الذميمة أكابر المؤرخين المعاصرين واللاّحقين، ومنهم المؤرخون القشتاليون أنفسهم. فمثلاً يقول المؤرخ ثوريتا ( Zurita) وهو من أكابر المؤرخين الإسبان في القرن السادس عشر في وصفه: "وكان مشهوراً، لا بين الأجانب فقط، ولكن بين مواطنيه أيضاً، بأنه لا يحافظ على الصدق، ولا يرعى عهداً قطعه، وأنه كان يفضل دائماً تحقيق صالحه الخاص على كل ما هو عدل وحق" (١). ويقول معاصره مكيافيللي فيه: "إن فرديناند الأرغوني غزا غرناطة في بداية حكمه، وكان هذا المشروع دعامة سلطانه. وقد استطاع بمال الكنيسة والشعب أن يمدّ جيوشه، وأن يضع بهذه الحرب أسس البراعة العسكرية التي امتاز بها بعد ذلك، وقد كان دائماً يستعمل الدين ذريعة ليقوم بمشاريع أعظم، وقد كرّس نفسه بقسوة تسترها التقوى لإخراج المسلمين من مملكته وتطهيرها منهم، وبمثل هذه الذريعة غزا إفريقية، ثم هبط إلى إيطاليا، ثم هاجم فرنسا .. " (٢). وكانت سياسة فرديناند الكاثوليكي مثال الغدر المثير في جميع ما اتخذه نحو معاملة المسلمين عقب تسليم غرناطة، وما تلاه من حوادث تنصيرهم قسراً، ثم اضطهادهم، ومطاردتهم بأقسى الوسائل، وأشدّها إيلاماً لمشاريعهم وأرواحهم.

فلما توفي فرديناند، وخلفه حفيده شارل الخامس (الإمبراطور شارلكان) بعد مدة قصيرة من وصاية الكاردينال خمنيس على العرش، تنفّس الموريسكيون الصعداء، وهبت عليهم ريح جديدة من الأمل، ورجوا أن يكون العهد الجديد خيراً من سابقه. وأبدى الملك الجديد في الواقع شيئاً من اللّين والتسامح نحو المسلمين والموريسكيين، وجنحت محاكم التحقيق إلى نوع من الاعتدال في مطاردتهم، وكفت عن التعرّض لهم في أراغون بسعي النبلاء


(١) أنظر: Prescott, Cit. Zurita (Bnalesa ; ibid; P. ٦٩٧ (note)
(٢) Machiavelli: The Prince (Everyman) , P. ١٧٧-١٧٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>