للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[نهاية النهاية]

١ - توجّس السياسة الإسبانية وعصر الغارات البحرية الإسلامية

كان انهيار الثورة الموريسكية وسحق الموريسكيين، خاتمة عهد الكفاح المرير بين شعب مهيض أعزل، يحاول أن يحتفظ بشخصيته وكرامته وحقه في الحياة، وبين القوة الغاشمة، التي تريد أن تسحق في بقية الأمة المغلوبة كل أثر للحياة الحرّة الكريمة. ولكن الثورة الموريسكية كانت من جهة أخرى، نذيراً عميق الأثر للسياسة الإسبانية. ذلك أن الموريسكيين لبثوا بالرغم من تجريدهم من كل مظاهر القوة المادية، قوة أدبية واجتماعية يخشى بأسها. وكان هذا الشعب المستكين الأعزل ما يزال رغم ضعفه وذلته، يملأ جنبات الجزيرة بفنونه ونشاطه المنتج، ويحتلّ مكانة بارزة في الشئون الإقتصادية. وكانت الكنيسة ما تزال تنفث إلى الدولة تحريضها البغيض، على مجتمع لم تطمئن لولائه وصدق إيمانه. وقد وصف المطران جرّيرو ( GUERRERO) الموريسكيين في سنة (١٥٦٥ م) بقوله: "إنهم خضعوا للتنصير، ولكنهم لبثوا كفرة في سرائرهم، وهم يذهبون إلى القداس تفادياً للعقاب، ويعملون خفية في أيام الأعياد، ويحتفلون يوم الجمعة أفضل من احتفالهم بيوم الأحد، ويستحمّون حتى في كانون الثاني - ديسمبر، ويقيمون الصلاة خفية، ويقدّمون أولادهم للتنصير خضوعاً للقانون، ثم يغسلونهم لمحو آثار التنصير، ويجرون ختان أولادهم، ويطلقون عليهم أسماء عربية، وتذهب عرائسهم إلى الكنيسة في ثياب أوروبية، فإذا عدن إلى المنزل استبدلنها بثياب عربية، واحتفل بالزواج طبقاً للرسوم العربية" (١). وهذه الأقوال تنطوي على كثير من الصّدق، ذلك أن الأمة الموريسكية المهيضة، بقيت بالرغم مما يصيبها من شنيع العسف


(١) Marmol; ibid, ١١. Cap. ١ وكذلك Dr Lea: The Moriscos; P. ٢١٣-٢١٤

<<  <  ج: ص:  >  >>