الأدب، وزهرة من أزهار الفروسية النصرانية، كان خائناً قاسياً غدّاراً ناقضاً للعهود لا إيمان له ولا ذمة، يبيع سيفه وعواطفه من كلا الفريقين: المسلمين والنصارى.
ومِس شارلوت ينج التي كانت لها الشجاعة الكافية أن تقول الحق في شأن العرب والنصارى منذ خمسين سنة، لم تجد ما تسلي به دينها إلاّ شيئاً واحداً وهو قولها:"قد بلغ الإسلام أعلى درجات الإلهام في زمان مدنية العرب في الأندلس، ولكنه انقرض بعد ذلك. وأما النصرانية فإن لها آمالاً في المستقبل غير محدودة".
وفي هذا خطأ مضاعف، فالإسلام هو الذي ألهم العرب مدنيتهم ولكنه لم يمت، والمدنية المستمرة التي جاءت في العصور الأخيرة ليست من النصرانية في شيء.
والحقيقة أن مدنيتنا الحاضرة لا علاقة لها بالنصرانية، ولكن المدنية التي دخلت أوروبا في القرنين الحادي عشر والثاني عشر، كانت لها صلة كبيرة بالعرب، أي أن مصدرها كان منهم، فالنور الذي أشرق في إسبانيا لم يكن بدّ من أن ينبثق إلى أوروبا، فالإسبانيون الذين استولوا بالتدريج على النصف الشمالي من إسبانيا، عندما أخلد العرب إلى أرض الترف والبذخ، وانحصروا في القسم الجنوبي - الأندلس - لم يبقوا جامدين لا شعور لهم بثقافة جيرانهم - يعني أنهم أخذوا يقتبسونها، وكان السيّاح أو المسافرون من النصارى الذين يزورون مدن العرب يعودون إلى أوطانهم فيقصّون من أخبار العرب وعلومهم وحضارتهم الجميلة ما يهزّ النفوس ويشوقها إلى تلك الحضارة الفذّة.
[٣ - مدينة النور والحب:]
مدريد (مجريط) التي كانت في القرون الوسطى قرية مظلمة، هي واقعة تقريباً في وسط إسبانيا، وفي شمالها بالضبط سلسلة جبال وادي الرملة المتدثِّرة بالثلوج، حتى حين مررت بها في الشهر السادس (جون = حزيران)،