للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التاريخ (١).

وهكذا، فحين كان المسلمون أقوياء، شاع تسامحهم في الأندلس ليس بين المسلمين حسب، بل بين النصارى أيضاً، فصانوا النصارى ومعابدهم، وأطلقوا الحرية الدينية إطلاقاً كاملاً، وكان النصارى بينهم سعداء غاية السعادة، في أمن واستقرار ودعة.

فلما ضعف المسلمون وأصبح النصارى أقوياء، نصّروا المسلمين قسراً، وقتلوا وعذَّبوا وحرَّقوا، وأخيراً نَفَوْا ما تبقّى من المسلمين في إسبانيا، فلم يبق فيها مسلم واحد، كأنهم لم يكونوا فيها قروناً ولم يعمروها.

ذلك ما حدث في الفردوس المفقود، لا ينكره النصارى ويعرفه العالم كله، وتسجله أسفار العرب والمسلمين وأسفار النصارى أيضاً، وكأنه مجد من الأمجاد للنصارى يفاخرون به ولا ينكرونه ولا يتنكرون له.

[مملكة غرناطة عقب وفاة ابن الأحمر]

١ - ولاية محمّد الفقيه وأحداث أيامه

لما توفى محمد بن الأحمر مؤسس مملكة غرناطة، خلفه في الملك ولده وولي عهده أبو عبد الله محمد بن محمد بن يوسف الملقّب بالفقيه لعلمه وتقواه، وكان مولده في غرناطة سنة (٦٣٣ هـ - ١٢٣٥ م)، وهو الذي رتّب رسوم الملك للدولة النصريَّة، ووضع ألقاب خدمتها، ونظّم دواوينها وجبايتها، وخلع عليها بذلك صفتها الملوكية الزاهية. وكان يتمتع بكثير من الخلال الحسنة، من قوة العزم، وبعد الهمّة، وسعة الأفق، والبراعة السياسية. وكان عالماً أديباً، يقرض الشعر، ويؤثر مجالس العلماء والأدباء (٢). ولأول عهده نشط ملك قشتالة الفونسو العاشر إلى محاربة


(١) نهاية الأندلس (٦٦ - ٧٥).
(٢) الإحاطة (١/ ٥٦٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>