وهو من مشايخ رندة، وكان من قبل من كتّاب ديوانه في ديوان الإنشاء، وكان رجلاً وافر العزم قوي الشكيمة، ولقب بذي الوزارتين لجمعه بين الكتابة والوزارة، وكان لحزمه وقوة نفسه أكبر أثر في استقرار الأمور في هذا العهد (١).
٢ - أبو عبد الله محمد الملقّب بالمخلوع وأحداث أيامه
وخلف محمد الفقيه ولده أبو عبد الله محمد الملقّب بالمخلوع، وكان ضريراً، ذا نباهة وعزم، عالماً شاعراً، يؤثر مجالس العلماء والشعراء، ويصغي إليهم ويجزل صِلاتهم، محباً للإصلاح والإنشاء، وكان من بين منشآته المسجد الأعظم بالحمراء، فهو الذي أمر ببنائه على أبدع طراز، وزوّده بالعُمد والنقوش والثريّات الفخمة، ولكنه لم يُحسن تدبير الملك والسياسة، وغلب عليه كاتبه وزيره ووزير أبيه من قبل أبو عبد الله محمد بن الحكيم اللّخمي، فاستبدّ بالأمر دونه وحجر عليه، فاضطربت الأمور، وأخذت عوامل الانتقاض تجتمع وتبدو في الأفق.
وفي عهده القصير، اضطربت علائق مملكة غرناطة وبني مرين مرة أخرى، والواقع أنه في بداية عهده حاول إحكام المودة بينه وبين بني مرين، فأرسل وزير أبيه أبا عزيز الداني ووزيره ابن الحكيم إلى سلطان المغرب، ليجددا عهد المودة والصداقة، فوفدا عليه وهو بمعسكره محاصراً لتلمسان، فأكرم وفادتهما وطلب إليهما إمداده ببعض جنود الأندلس الخبراء في منازلة الحصون، فأرسلت إليه قوة منهم أدّت مهمتها أحسن أداء. ولاح أن أواصر المودّة أضحت أشدّ ما تكون توثيقاً بين الفريقين، ولكن ابن الأحمر عرض له
(١) يترجم له ابن الخطيب بإفاضة في الإحاطة (٢/ ٢٧٨) وما بعدها، وانظر سيرة السلطان محمد الفقيه في: نهاية الأندلس (٨٥ - ١٠٢).