لم يبق على ملكي قشتالة وأراغون فرديناند وإيزابيلا، بعد أن دانت لهما سائر الثغور والقواعد الأندلسية الجنوبية والشرقية، لإتمام خطتهما في القضاء على دولة الإسلام بالأندلس، سوى الاستيلاء على غرناطة، آخر القواعد الباقية بيد المسلمين، ولم تكن غرناطة يومئذ مملكة أو دولة، بل كانت رمزاً للدولة الإسلامية الذاهبة فقط، وكانت واسطة عقد تصرّمت سائر حبّاته، وكانت كالمصباح المرتجف يخبو ضوؤه سراعاً، فلم يكن يقتضي إطفاؤه سوى الضربة الأخيرة.
وقد رأى فرديناند وإيزابيلا أن الوقت قد حان لتسديد هذه الضربة، عقب استسلام مولاي الزغل وسقوط وادي آش وبسطة وألمرية. ونحن نعرف أنه على أثر سقوط مدينة لوشة في يد النصارى في (شهر مايس - مايو سنة ١٤٨٦ م)، وحصول أبي عبد الله في أيدي الملكين الكاثوليكيين للمرة الثانية، عقد أبو عبد الله معهما معاهدة صلح جديدة لمدة عامين، تطبق في غرناطة والبلاد التي تدخل في طاعة أبي عبد الله. وفي ظل هذا الصلح المسموم، دخل أبو عبد الله غرناطة، واسترد العرش ومن ورائه تأييد فرديناند وعونه. ومن الواضح أن فرديناند قد قبض في نصوص هذا الصلح، ثمن التأييد والعون. والظاهر أن هذا الصلح قد تجدد لمدة عامين آخرين، حسبما تدل وثيقة صادرة عن أبي عبد الله نفسه (في المحرم سنة ٨٩٥ هـ - كانون الأول - ديسمبر ١٤٨٩ م) وهي عبارة عن خطاب موجه منه إلى قادة وأشياخ بلدة أجيجر، وفيه ينوّه أبو عبد الله بهذا "الصلح السعيد" المعقود لعامين، ويدعو إلى الدخول فيه، وينعي على معارضيه مواقفهم، التي انتهت بسقوط بسطة: "التي أفجعت المسلمين، وفلّت غرب ....................................