كانت هذه الشُّبه وأمثالها تتخذ ذريعة للتنكيل بالموريسكيين، بالرغم من تنصرهم وانتمائهم إلى دين سادتهم الجدد. ومن الطبيعي أن يكون موقف المسلمين الذين آثروا الاحتفاظ بدينهم أدق وأخطر، وكانت قد بقيت منهم جماعات كبيرة في غرناطة وبلنسية وغيرها، يعيشون في غمرة من الجزع الدائم، وكانت محارق ديوان التحقيق تلتهم الكثير من هؤلاء، لأقل الشبه والوشايات. ولقد كان الإسراف في مطاردة المسلمين والموريسكيين نذير السخط والثورة، ولكن الثورة أخمدت، ولم تعدل السياسة الإسبانية عن مسلكها، وضاعفت محاكم التحقيق إجراءات القمع والتنكيل. وقد اتصل المسلمون في الأندلس بملوك مصر والمغرب والقسطنطينية، يستغيثون بهم ويطالبونهم بنصرة إخوانهم من ظلم إسبانيا النصرانية وديوان التحقيق، وكانت أخبار ما يعانيه المسلمون والعرب المتنصرون في إسبانيا النصرانية شائعة في الأقطار الإسلامية وفي غيرها دون أن يمدّ الحكام المسلمون العون لمسلمي الأندلس وللعرب المتنصرين، كأن الأمر لا يعنيهم من بعيد ولا قريب. وقد كتب المسلمون الأندلسيون رسائل إلى حكام المسلمين، فكانت السياسة الإسبانية تتخذ من هذه الرسائل التي يوجهها العرب المتنصرون والمسلمون إلى إخوانهم المسلمين فيما وراء البحر، كلما تفاقمت آلامهم ومحنتهم وازداد الضغط عليهم، ذريعة للاشتداد في مطاردتهم واعتبارهم خطراً على سلامة الدولة لأنهم يأتمرون بها مع ملوك الدول الإسلامية أعداء إسبانيا النصرانية (١).