أنفسكم خذلان هذه العاقبة من أمركم، بمناجزة هذا الطاغية، فقد ألقت به إليكم مدينته الحصينة، وإن انتهاز الفرصة فيه لممكن، إن سمحتم لأنفسكم بالموت. وإني لم أحذركم أمراً أنا عنه بنجوة، ولا حملتكم على خطة أرخص متاعاً فيها النفوس، أبدأ بنفسي. واعلموا أنكم إن صبرتم على الأشق قليلاً، استمتعتم بالأرفه الألذّ طويلاً، فلا ترغبوا بأنفسكم عن نفسي، فما حظّكم فيه بأوفى من حظّي. وقد بلغكم ما أنشأت هذه الجزيرة من الحور الحسان من بنات اليونان، الرافلات في الدّر والمرجان، والحلل المنسوجة بالعقبان، المقصورات في قصور الملوك ذوي التيجان، وقد انتخبكم الوليد بن عبد الملك أمير المؤمنين من الأبطال عرباناً، ورضيكم لملوك هذه الجزيرة أصهاراً وأختاناً، ثقة منه بارتياحكم للطِعان واستماحكم بمجالدة الأبطال والفرسان، ليكون حظّه منكم ثواب الله على إعلاء كلمته، وإظهار دينه بهذه الجزيرة، وليكون مغنمها خالصة لكم من دونه، ومن دون المؤمنين سواكم، والله تعالى وليّ إنجازكم على ما يكون لكم ذكراً في الدارين. أيها الناس، ما فعلت من شيءٍ فافعلوا مثله، إن حملت فاحملوا، وإن وقفت فقفوا، ثم كونوا كهيئة رجل واحد في القتال، وإني عامد إلى طاغيتهم بحيث لا أتهيبه حتى أخالطه أو أقتل دونه، فإن قُتلتُ فلا تهنوا ولا تحزنوا، ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم، وتولّوا الدبر لعدوّكم فتبددوا بين قتيل وأسير. وإياكم إياكم أن ترضوا بالدنية، ولا تعطوا بأيديكم، وارغبوا فيما عجل لكم من الكرامة والراحة من المهنة والذلّة، وما قد أحلّ لكم من ثواب الشهادة، فإنكم إن تفعلوا، والله معكم ومعيذكم تبوءوا بالخسران المبين، وسوء الحديث غداً بين مَن عرفكم من المسلمين، وها أنا حامل حتى أغشاه، فاحملوا بحملتي " (١).
(١) تحفة الأنفس، نقلاً عن: دولة الإسلام في الأندلس (١/ ٤٦ - ٤٧).