لإحكام الحصار وإرهاق المدينة المحصورة وإرغامها على التسليم؛ فقطع جميع علائقها مع الخارج سواء من البر أو البحر، ورابطت السفن الإسبانية في مضيق جبل طارق، وعلى مقربة من الثغور الجنوبية، لتحول دون وصول أي مدد من إفريقية. والواقع أنه لم يكن ثمة أي أمل أمام الغرناطيين في الغوث والإنقاذ من هذه الناحية، ذلك أن معظم ثغور المغرب الشمالية والغربية، ومنها سبتة وطنجة، كانت قد سقطت بأيدي البرتغاليين، وكانت دولة بني وطّاس التي قامت يومئذٍ ما تزال ضعيفة في بدايتها، وكانت أبعد في التفكير عن القيام بأي عمل حربي خطير ضد النصارى. هذا إلى أن إمارات المغرب الواقعة في الضفة الأخرى، كانت كلّها في حالة ضعف وتفكّك، وكانت تخشى بأس قوة إسبانيا البحرية، وتسعى إلى كسب صداقتها وحمايتها، وعلى ذلك فقد كان حصار غرناطة محكماً من البر والبحر. ولم يبق أمامها سوى طريق البشرّات الجنوبية من ناحية جبل شلير (سيرانفادا) تجلب منها بعض الأقوات والمؤن بصعوبة. وبقيت المدينة المحصورة تعاني مصائب الحصار صابرة جلدة، حتى دخل الشتاء، وغصت هذه الوهاد والشِعَب بالثلوج، واشتد الجوع والبلاء بالمحصورين. عندئذ تقدّم حاكم المدينة أبو القاسم عبد الملك ذات يوم إلى مجلس الحكم، وقرّر أن المؤن الباقية لا تكفي إلاّ لأمد قصير، وأن اليأس قد دبّ إلى قلوب الجند والعامة، وأن الاستمرار في الدفاع عبث لا يجدي (١)، ولكن موسى بن أبي الغسّان، اعترض كعادته بشدّة، وقرّر أن الدفاع ممكن وواجب. وبثّ بادرة جديدة من الحماسة في الرؤساء والقادة. فاستسلم السلطان أبو عبد الله محمد إلى تلك الروح، وسلّم إلى القادة أمر الدفاع، وتولّى موسى كعادته قيادة الفرسان، وكان في مقدمة مساعديه فارسان من أنجاد العصر هما: نعيم بن رضوان، ومحمد بن زائدة. ثم أمر بفتح الأبواب، وأعدّ فرسانه أمامها ليل نهار، فإذا