تبوّأ أبو عبد الله محمد عرش غرناطة، ينقم منه استكانته وخضوعه لملك النصارى، ويعمل بكل ما وسع لإذكاء روح الحماسة والجهاد، وتنظيم الفروسية الغرناطية وتدريبها، وقيادة السرايا إلى أرض العدو، ومفاجأة حصونه في الأنحاد المجاورة. ولما بعث فرديناند الخامس إلى أبي عبد الله يطلب تسليم الحمراء، كان موسى من أشدّ المعارضين في إجابة هذا الطلب المهين، وكان لعزمه وحماسته أكبر أثر في تطوّر الموقف، وحمل الأمير والشعب على اعتزام الجهاد، والدفاع إلى آخر رمق، وكان قوله المأثور يومئذٍ:"ليعلم ملك النصارى أن العربي قد وُلد للجواد والرّمح، فإذا طمح إلى سيوفنا فليكسبها وليكسبها غالية. أما أنا، فخير لي قبر تحت أنقاض غرناطة، في المكان الذي أموت دفاعاً عنه، من أفخم قصور نغنمها بالخضوع لأعداء الدين".
وهكذا دوّت غرناطة بصيحة الحرب. ولما أشرف ملك قشتالة بجموعه على مرج غرناطة، كان موسى قدوة الجند والشعب، وكان زعيم الفروسية المسلمة، يقودها كلما سنحت الفرصة إلى الحصون والقلاع النصرانية المجاورة فتثخن فيها، وكانت عودته الظافرة تثير في الشعب أيما حماسة؛ وكان فرديناند يرسل جنده لإتلاف المزارع والحقول المجاورة، فكان موسى ينظم السرايا لإزعاج قواته، وقطع مواصلاته، وانتزاع مؤنه؛ ولكن جيوش النصارى ما لبثت أن ملأت فحص شنيل ( La Vega) وطوّقت غرناطة، وشدّدت في حصارها، واضطر المسلمون إلى الامتناع بمدينتهم صابرين جلدين؛ وقُسِّم الدفاع عن المدينة بين قادة الجيش وزعماء الأسر، فتولى موسى قيادة الفرسان يعاونه نعيم بن رضوان ومحمد بن زائدة. وتولى آل الثغرى حراسة الأسوار، وتولى زعماء القصبة والحمراء حماية الحصون. ولم تكن المعارك الجريئة التي كان يخوضها المسلمون خارج الأسوار من آن لآخر، سوى عنوان أخير لفروسيتهم وبسالتهم، ولكنها لم تكن لتغني شيئاً أمام ضغط العدو وتفوّقه وتصميمه. ذلك أن ملك قشتالة لم يترك وسيلة