يدمغها المفكرون الغربيون والإسبان منهم أنفسهم، حتى يومنا هذا، بأقسى النعوت والأحكام.
ويرى النقد الحديث، أن العمل على إبادة الموريسكيين، كان ضربة شديدة لعظمة إسبانيا ورخائها، ولم تنهض إسبانيا قط من عواقب هذه السياسة الغاشمة، بل انحدرت منذ نُفيَ الموريسكيين من أوج عظمتها التي سطعت في عصر شاركان وفيليب الثاني، إلى غمرة التدهور والانحلال، التي ما زالت تلازمها حتى هذه الأيام.
بل ترجع عوامل هذا الانحلال، إلى ما قبل مأساة الموريسكيين ببعيد، أو بعبارة أخرى إلى السياسة التي اتبعتها إسبانيا النصرانية، نحو الأمة الأندلسية، منذ بداية عصر الغلبة والتوسع والاستيلاء، في القرن الثالث عشر. فقد كانت القواعد والولايات الإسلامية الزاهرة، تسقط تباعاً في يد إسبانيا النصرانية، ولكنها كانت تفقد في نفس الوقت أهميتها العمرانية والاقتصادية، إذ كانت العناصر الإسلامية الذكية النشطة من السكان، تغادرها إلى القواعد الإسلامية الباقية، فراراً من عسف النصارى، وتغادرها حاملة أموالها وفنونها وصنائعها، تاركة وراءها الخراب والفقر والضيق الاقتصادي. واستمر سيل هذه الهجرة المخرِّبة زهاء قرنين حتى سقطت غرناطة، واحتشدت البقية الباقية من الأمة الأندلسية في المنطقة الجنوبية، وفي بعض القواعد الأندلسية القديمة، مثل بلنسية ومرسية، وهاجرت قبل سقوط غرناطة وبعده جموع غفيرة من المسلمين إلى إفريقية، واستحالت الأمة الأندلسية غير بعيد، إلى شعب مهيض ممزّق، هو شعب الموريسكيين أو العرب المتنصرين، ومع ذلك فقد لبثت هذه الأقلية الأندلسية المضطهدة، عاملاً خطيراً في اقتصاد إسبانيا القومي، وفي ازدهار زراعتها وتجارتها وفنونها وصناعتها، وكان الموريسكيون يحملون كثيراً من تراث الأمة المغلوبة، وإلى نشاطهم ودأبهم يرجع ازدهار الضياع الكبيرة التي يملكها السادة الإقطاعيّون. فلما اشتد بهم الإضطهاد والعسف، وأخذت يد الإبادة تعمل لتمزيق طوائفهم، وسحق