للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جناحيها، وتفتّتت المقاومة القوطيّة شرقاً وغرباً، وأصبح الفتح الأندلسي فتحا مستداماً، ولم يبق للمقاومة القوطية أثر ولا تأثير إلاّ في الجبال الشمالية التي تفصل بين الأندلس من جهة وفرنسا من جهة أخرى.

لقد كان أثر عبد العزيز بمعاونة أخيه عبد الأعلى، في الفتح الأندلسيّ، وفي ترصين ذلك الفتح، وفي حماية القوّات الإسلامية الفاتحة، عظيماً للغاية في واقعه وفي حاضر المسلمين في الأندلس ومستقبلهم، دون أن يُعطى الأهمية المناسبة له من المؤرخين قديماً وحديثاً.

فهو الذي تولّى الأندلس: "بعد قُفُول أبيه عنها ... فضبط سلطانها، وضمّ نَثَرَها، وسدّ ثغورها، وافتتح في ولايته مدائن كثيرة، مما كان قد بقي على أبيه موسى منها، وكان من خير الولاة، إلاّ أنّ مدّته لم تطل ... " (١). ومعنى ذلك، أنّ بقاءه والياً لم يطل أمده، لتظهر مزاياه القيادية في الفتوح وفي إحراز الانتصارات الباهرة.

وبالإمكان إضافة عامل آخر، على قِصر مدّته والياً، هو أنّ ظروفه الراهنة، بعد غضب الخلافة على أبيه موسى وعلى أهل بيته، لم تكن ملائمة لاستئناف الفتوح وإحراز الانتصارات، إذ كان هو الآخر مصيره معلّقاً في مهبّ الريح، ومن المتوقّع أن يُصيبه ما أصاب أباه وأهل بيته عاجلاً أم آجلاً، فكان بحقّ منهكاً نفسياً، لا يدري ما تخبِّؤه له الأيام من مِحَن ومصائب، ولا يستطيع والٍ في مثل موقفه هذا غير المضمون أن يفعل ما فعله عبد العزيز أو يحقِّق ما أنجزه. ومن المعلوم أنّ الوالي يومئذ هو القائد العام على البلاد، فهو إداريّ وقائد، يعمل في القضايا الإداريّة، كما يعمل في القضايا العسكرية، فهو إداري وقت السّلام، إداريّ وقائد وقت الحرب.

وقد ظهر لنا، أنّ عبد العزيز قد تهيّأت له في أيامه الأولى مزيتان من مزايا القائد الّلامع، هما: العلم المكتسب، والتجربة العمليّة.


(١) نفح الطيب (١/ ١٨١) وأنظر البيان المغرب (٢/ ٢٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>