ونستطيع أن نرجع هذا النقص في الرواية الإسلامية عن حوادث المأساة الأندلسية إلى عاملين: الأول هو أنه في عصور الانحلال والسقوط، تخمد الحركات الأدبية والفكرية، وتقل العناية بالتدوين التاريخي، كما تقلّ في جميع نواحي التفكير والأدب، وأن نظام الطغيان المطبق والاضطهاد المروّع، الذي فُرِض على العرب المتنصرين، كان كفيلاً بإخماد كل صوت وتحطيم كل قلم، والثاني: وهو ما نرجحه هو فقدان معظم الكتب والوثائق العربية التي وضعت في هذا الوقت، والتي استطاع المقري أن ينقل شذرات منها، مما يدل على أن بعضها كان موجوداً حتى عصره، أعني في القرن السابع عشر الميلادي. ومن الغريب أن صاحب:"أخبار العصر" لم يقدم إلينا عن مأساة العرب المتنصرين سوى نبذة يسيرة، مع أنه عاصر معظم حوادثها، وشهدها على الأغلب. ولسنا نجد ما نفسّر به هذا الصّمت من جانب الرواية الإسلامية الوحيدة، التي انتهت إلينا عن سقوط غرناطة، وما تلاه من الحوادث والخطوب، إلاّ نظام الإرهاب الشامل، الذي سحق كل متنفّس للشعب المغلوب. ومن الواضح أن هذا الإرهاب يضاعف الرقابة على أصحاب الأقلام، ولا يرحم من يعلم أنه يسجل عليهم جورهم وأعمالهم الشنيعة الظالمة، ويحرص على كمّ الأفواه للسكوت عن الظلم، وعدم التفوّه باللّسان أو بالقلم بما يدور من أحداث ظالمة شنيعة.
على أن هذه المرحلة المؤلمة من تاريخ الأمة الأندلسية، تشغل بالعكس في تاريخ إسبانيا القومي، حيّزاً كبيراً يمتدّ زهاء قرن وربع، وتخصّه الرواية الإسبانية بكثير من عنايتها. ولكن الرواية الإسبانية، تتأثر دائماً بالعوامل القومية والدينية إلى أبعد حدّ، وتنظر دائماً إلى ذلك الاستشهاد المفجع، الذي فرضته إسبانيا على العرب المتنصرين، وإلى تلك الأعمال المروّعة التي كانت ترتكبها محاكم التحقيق (١) باسم الدين، وإلى تلك الوسائل البربرية
(١) هي المعروفة خطأ بمحاكم التفتيش: Inquisition , Inquisicion