للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لبثت السياسة الإسبانية مدة قصيرة، بعد سقوط غرناطة، تلتزم جانب الروية والاعتدال. واتخذت الأهبة لنقل المسلمين الراغبين في الهجرة إلى المغرب، وهاجر كثير من أشراف غرناطة، بعد بيع أملاكهم بأبخس الأثمان (١). وفي مقدمة المهاجرين بنو سراج وأنجاد غرناطة القدماء. فأقفرت مناطق بأسرها من أعيان المسلمين، ولا سيما منطقة البشرات، وكان تدفق سيل المهاجرين دليلاً على أن الشعب المغلوب لم يكن واثقاً من ولاء سادته الجدد، وأنه كان ينظر إلى المستقبل بعين التوجس والريب.

وقد كان ممن هاجر من غرناطة إلى العدوة عقب سقوطها بقليل جماعة من أهلها برئاسة زعيم جندي هو أبو الحسن المنذري، وكان من أكابر جند الجيش الغرناطي، فعمروا مدينة تطوان وكانت يومئذ خربة، وكان ذلك في سنة (٨٩٨ هـ - ١٤٩٢ م). ومن ذلك الحين تغدو تطوان ملاذاً لكثير من الأسر الأندلسية التي أرغمت على التنصير ثم آثرت الهجرة إلى دار الإسلام فراراً من اضطهاد الإسبان ومحاكم التحقيق، وعادت إلى دينها القديم، وما زالت أعقابهم بها إلى اليوم (٢).

ولكن السياسة الإسبانية كانت تخشى دائماً هذا الشعب الذكي النّابه، وكانت الكنيسة تجيش دائماً بنزعتها الصليبية القديمة، وتضطرم رغبة في القضاء على البقية الباقية من الأمة الإسلامية في إسبانيا، وكانت مملكة غرناطة ما تزال تضم كتلة مسلمة كبيرة، تربطها بثغور المغرب صلات وثيقة، هذا عدا ما كان من جموع المدجنين في منطقة بلنسية، وفي منطقة سرقسطة وغيرها من بلاد أراغون، وكان كثير من أولئك المدجنين، إلى ما بعد سقوط غرناطة بأعوام عديدة، يحتفظون بدينهم الإسلامي. وكان وجود هذه الكتلة المسلمة في قلب إسبانيا النصرانية، شغلاً شاغلاً للسياسة الإسبانية.

والظاهر أن السياسة الإسبانية، لبثت مدى حين مترددة في انتهاج المسلك


(١) أزهار الرياض (١/ ٦٧).
(٢) الاستقصا (٢/ ١٦٢) ومختصر تاريخ تطوان - محمّد داءود (١٤ - ١٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>