وفاتح موسى الخلافة في دمشق، حول فتح الأندلس، إذ لم يكن بإمكانه أن يُقدم على تنفيذ مثل هذه العملية الكبرى بدون موافقة الخلافة الصريحة، وكان الخليفة يومها الوليد بن عبد الملك ابن مروان الذي كان حريصاً أعظم الحرص على أرواح المسلمين، وكان يرفض بشدّة وحزم وإصرار كل محاولة للتغرير بالمسلمين وتعريضهم للمخاطر دون مسوِّغ، وقد وافق على مضض على اقتراح موسى الخاص بمحاولة فتح الأندلس الذي كان موسى يريد وضعه في ميدان التطبيق العملي، بعكس الخليفة الوليد بن عبد الملك الذي كان يرى في هذا الفتح نوعاً من التغرير بالمسلمين، فكان الوليد لا يتردد في الإقدام على إلغاء عملية فتح الأندلس برمتها، في حالة تعرّض سرايا الاستطلاع التي مهّدت لخطة الفتح للإخفاق. لذلك بذل موسى غاية جهده في تنفيذ أمر الخليفة أولاً:"أن خُضها بالسرايا، حتى ترى وتختبر شأنها، ولا تُغرِّر بالمسلمين في بحر شديد الأهوال"(١)، وأن تكون سرية الاستطلاع التي تمهِّد للفتح مختارة المقاتلين بقيادة قائد مختار أيضاً، ينجح في مهمتة القيادية الصعبة، ويُقنع الخليفة بنجاحه أن موسى لا يغرّر بالمسلمين، بل يقودهم إلى النصر.
وأي قائد عام، في مكان موسى بن نصير، في حرصه العظيم على فتح الأندلس، يشترط عليه الخليفة، أن يبدأ عملية الفتح بالاستطلاع بالسرايا، فإذا نجحت سرايا الاستطلاع كان له ما يريده من فتوح في الأندلس، وإلاّ فلا فتوح في الأندلس إذا أخفقت سرايا الإستطلاع، وتوضع عملية الفتوح كلها على الرف، فإنه لا بد أن يختار قائداً متميزاً لقيادة سرايا الاستطلاع، ويختار له رجاله أو يسمح له باختيارهم، ليضمن نجاح مهمة الاستطلاع، فيرضي الخليفة، وتبدأ عملية الفتح.
وأرى أن موسى، حين اختار طريفاً، لقيادة سرية استطلاعية، يتوقف عليها