مالاً، وكان معظم الأرض تابعاً للدولة، فكانت تزرعه بوساطة الفلاحين الأحرار أو العبيد. فلما طال الزمن، واستمر كل فلاح يزرع نفس القطعة من الأرض سنة بعد سنة، نشأت بينه وبينها صلة هي أقرب ما تكون إلى صلة الملكية. فلما أقبل البرابرة، واستولوا على أرض الدولة، آلت إليهم أملاكها، وبهذا تعرض حق هؤلاء الزرّاع الأحرار في أرضهم للضياع، وغصب البرابرة من الكثير منهم أرضه واستقروا فيها، وأجبروه على زراعتها، كأنه عبد لهم أو قنّ، ولجأ بعضهم إلى مالك غني مجاور تنازلوا له عن أرضهم في سبيل حمايتهم من الغاصبين القادمين. وشاعت هذه الطريقة وعمت، ونشأت عنها طبقة اجتماعية جديدة، هي طبقة المحميين ( Buccellarii) ، وكان القانون يعتبرهم أحراراً، ولكن التزاماتهم حيال الأغنياء الذين كانوا يحمونهم، جعلتهم في الواقع في مراتب التابعين والعبيد.
وأقام القوط في إسبانيا حكومة عسكرية انتخابية، يؤيدها الأشراف وملاك الأرض من القوط وأهل البلاد الأصليين على السواء. واستمروا يدبرون شئون البلاد بنفس النظام الروماني القديم: ظلت البلاد مقسّمة إلى أقاليم ومدن، وكان يحكم كل إقليم دوق، وكل مدينة كونت، وكان كل من هؤلاء الحكام يستعين بطائفة صغيرة أو كبيرة من الموظفين، يقومون بما تحتاج إليه حكومة الناحية، في النواحي المالية والقضائية والحربية، وكان هؤلاء الموظفون طبقات، تختلف بحسب العمل الذي يقوم به كل منهم.
وكان الملك يحكم حكماً استبدادياً، أي منفرداً برأيه، يقضي في شئون البلاد كما يشاء. وكان له مجلس من النبلاء، يساعده في كل شيء، ولكن الملوك استبدوا بالأمر حتى لم يعد لهذا المجلس ظل من السلطان، فكان الملوك يصدرون القوانين وينفذونها، ويقضون في الأحكام بما يريدون. وكان المفروض أن ينتخب الملك من بين هؤلاء النبلاء، ولكن العادة جرت أن يعتلي العرش أقواهم بحد ............................................