وخيلهم، ولا يُسَلِّمون إلاّ أسلحتهم النارية، وأن يتمسكوا بشريعتهم وعاداتهم ولغتهم ولباسهم، وأن تكون مساجدهم مصونة من أيّ استعمال في غير عبادتهم. وأن دعاويهم تفصل على أيدي قضاتهم المحكمين من قِبَل الحكّام الإسبانيين، وأنّهم يؤدون لملك قشتالة من الخراج مثل ما كانوا يدفعونه لملوكهم لا غير، وأنهم يعفون من دفع الخراج مدة ثلاث سنين، ليستجمعوا ويستردوا ما فقدوا من أموالهم بسبب الحرب والحصار" (١).
ثم أخذت المؤلفة النصرانيّة المسكينة تتململ في سائر ما بقي من صفحات كتابها، من أجل غدر الملك والملكة الإسبانيين ونقض عهودهما التي أعطياها العرب المسلمين، إذ لم تشعر الملكة الناسكة بوجوب معاملة العرب المسلمين بمقتضى الشرف، بل لم تشعر إلاّ بشيءٍ واحد، وهو أنّه يجب أن تؤسس: "مملكة نصرانية"، كاد الناس يتميّزون من الغيظ كيف يتولّى عليهم حاكم محمّدي كافر! أخذ من المسلمين أحد مساجدهم، وجعل كنيسة: "وكان ذلك نقضاً للعهود" كما قالت المؤلفة النصرانية، ونفى المسلمين وعوملوا بأقسى معاملة بربريّة.
ولم ينجح القسيسون في تنصير العرب المسلمين، مع أنّهم أحرقوا مصاحفهم وكتبهم كلّها علانية، وجُعل أمر المسلمين من الوجهة الدينية إلى رئيس أساقفة طليطلة "المقدس" زيمنس. وباختصار فقد نقض كلّ سطر من سطور المعاهدة، وغدر الإسبانيون وأهانوا عهودهم، فهاجر قسم عظيم من المسلمين تاركين وراءهم كل ما يملكونه، ورحلوا إلى إفريقيّة، ولكنّ القسم الأعظم بقوا هناك ينافقون بإظهار النصرانية، ومَن لم يقبل النفاق منهم صاروا عبيداً للنصارى الغادرين. ثم جاءت المحنة: "محاكم التفتيش" فحرم عليهم كلّ شيءٍ من أمور دينهم، حتى الاغتسال في حماماتهم، ونهبت مئات من بيوتهم وطردوا من البلاد التي مدّنوها وعمروها، ولم يبق منهم هناك إلاّ
(١) أنظر التفاصيل في نفح الطيب (٢/ ٦١٥ - ٦١٦) وأنظر النص الإسباني في: نهاية الأندلس (٢٣٠ - ٢٣٩).