للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويبدو أن نيّة طارق، كانت السير مباشرة إلى قرطبة عاصمة بِيْطِي (١) (بيتِس) ( Baetis) لأنه تقدّم بحذاء الساحل حتى أدرك جزيرة طريف، ومن ثَمَّ اتجه إلى الشمال في سهل قليل الارتفاع، ومرّ بين جبلي (سيليا دل بابا) و (سييرا دل رِتين)، واقترب من بحيرة الخندق (لاخاندا) الواسعة التي تحصر بينها وبين (سييرا دل رتين) سهلاً متسعاً بعض الاتساع حصيناً، لأنّ البحيرة تحميه من ناحية والجبل من ناحية أخرى، واستمر حتى أدرك نُهير البرباط الذي يخترق بحيرة الخندق (لاخاندا)، وكانت بهذا الموضع في تلك الأيام بليدة صغيرة زالت الآن، يسمّيها العرب: بكَّة، ولهذا سمّوا هذا النُّهير: وادي بِكّة، وحرّفه بعضهم إلى لِكَّة أو وادي لِكَّه، ونقله الإسبان خطأ، فسمّوه: وادي لِيتَه (٢).

وهنا عرف طارق من عيونه المنتشرة في كل مكان، أن لذريق سائر إليه بجنده، وأنه وصل إلى قُرطبة واستقر فيها قليلاً لاستكمال حشد جيشه، ثم تقدم جنوبيها، وأقام معسكره عند شَذُوْنَة (٣) ( Sidonia) واستعدّ لقبول المعركة في سهل البرباط، على مقربة من قرية ( Casas Viejas) الحالية (٤).

وفي هذا الموضع الذي وصل إليه طارق، وصل المدد الذي تعداده خمسة آلاف مقاتل إلى طارق، وهو المدد الذي بعث به موسى بن نُصير إلى الأندلس. فقويت بالمدد نفس طارق ونفوس من معه. والغالب أن قسماً كبيراً من المدد كان من الفرسان، لأن المصادر تحدّثنا أنّ قوّة طارق الأولى


(١) بيطي: هو الاسم القديم لنهر الوادي الكبير ( Guadalquivir) ، انظر جغرافية الأندلس وأوروبا (٥٨).
(٢) أقرب ما قيل، إن وادي لكه، تحريف للفظ ( Lago-Lacus) أي البحيرة، والمقصود هنا بحيرة الخندق، أُنظر التفاصيل في: فجر الأندلس (٧١) الهامش (١).
(٣) شذونة: مدينة بالأندلس، تتصل نواحيها بنواحي موزور، أُنظر التفاصيل في معجم البلدان (٥/ ٢٤٤). وفي ابن خلدون (٤/ ١١٧)، أنّ الجيشين التقوا بفحص شريش، والصحيح أنّها وقعت في فحص شذونة، لأنّ شريش بعيدة عن ميدان المعركة.
(٤) فجر الأندلس (٧١ - ٧٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>