للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تلك المعركة، على جيش لذريق من القوط النصارى، في مثل ذلك الموقف الحرج الخطير للغاية، في بلاد هي بلاد القوط النصارى وليست بلاد الجيش الإسلامي، بحجة عداوتهم للذريق، هذا الالتحاق القوطي بالمسلمين يمكن تصديقه بحجّة أن الملتحقين هم أعداء لذريق، وعدو عدوِّك صديقك كما يقول المثل العربي المشهور، ولكن ليس من المعقول أنّ طارقاً أشركهم في القتال.

ومن الواضح، أثه يمكن أن نستنتج من هذا العرض لموقف المسلمين، أن طارقاً كان كأحد رجاله مأكلاً ومشركاً وسكناً، فلم يكن مترفاً، بل كانت حياته أقرب إلى التقشف منها إلى الترف. وكان حذراً كل الحذر يقظاً كل اليقظة، يعرف عن عدوه حركاته وسكناته، ولا تخفى عليه من أمره خافية. وكان يعدّ لكل أمرٍ عدّته ولكل معضلة حلّها، لا ينام ولا يُنيم. وكان المسلمون في حالة إدارية أقل بكثير من الجيش القوطي، ولكثهم اعتادوا على الحياة القاسية ولم يعرفوا الترف والرخاء، فكانت حالتهم الإدارية غير المتميّزة ليست مشكلة بالنسبة إليهم. ولم يكن المسلمون قد أعجبتهم كثرتهم، فهم يعلمون أن عدوهم متفوق عليهم عَدَداً وعُدَداً، ولكنهم متفوقون على عدوهم بقيادتهم ومعنوياتهم العالية. ولم يهتم المسلمون بالمظاهر الخارجية والدعاية، كما اهتم القوط بهما، فلم يعدوا الحبال لربط الأسرى، ولم يتباهوا بالمظاهر الخلابة، بل كانوا في نفسية متواضعة لا تتبدل في حالتي النصر والاندحار.

لقد كان تعداد جيش طارق اثني عشر ألفاً (١) من المجاهدين الصادقين، وانضم إليهم يليان في قوة صغيرة من صحبه وأتباعه (٢)، وهؤلاء هم الذين شهدوا المعركة الحاسمة مع المسلمين على القوط. أما أعداء لذرليق الذين انضموا إلى المسلمين قُبيل تلك المعركة نكاية بلذريق، فمن الصعب تصديق أن المسلمين أشركوهم بالمعركة الحاسمة معهم على لذريق، لاحتمال وجود


(١) نفح الطيب (١/ ٢٣١ و ٢٣٩) وأخبار مجموعة (٧).
(٢) دولة الإسلام في الأندلس (٤٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>