مسلمان، وقد عاش في بيئة إسلامية، ومثل هذه البيئة لها صلة مباشرة قوية بالعربية الفصحى تكلّماً وتعلّماً. وحتى في هذه الأيام، في القرن الخامس عشر الهجري لا نجد بيئة إسلامية شرقاً وغرباً، إلاّ فيها مَنْ يُتقن العربية الفصحى، فإذا أضفنا أن والد طارق وجده مسلمان، في أيام الفتوح والاتصال المباشر بين الأقوام والأمم، تحت ظل الإسلام، فلا نستبعد أن والد طارق وجده انتقلا إلى بلاد العرب، وكان معهما طارق، فأتقن العربية الفصحى. وحتى لو لم ينتقل إلى المشرق، فإن إسلامه يشجعه على قراءة القرآن وتفهم الحديث وأقوال الدعاة العرب المسلمين، فكثير ممن نراهم في الهند وباكستان والاتحاد السوفياتي مثلاً، ممن يتقنون العربية الفصحى، لم ينتقلوا إلى البلاد العربية، بل تعلموا العربية الفصحى في عقر دارهم. وأذكر أنني كنت في زيارة رسمية للباكستان سنة (١٣٨٤ هـ-١٩٦٤ م)، فصلّيت الجمعة في مسجد كراجي الكبير، وكان خطيب الجامع يخطب بالعربية الفصحى، ولم يخطب بالأوردية اللغة المحلية، فقيل للخطيب:(لماذا لا تخطب بلغة قومك؟)، فقال:(لا أخطب بغير لغة القرآن ولغة النبي صلى الله عليه وسلم)، فما يدرينا أن طارقاً خطب بالعربية الفصحى في مثل ذلك الموقف العصيب، الذي يكون فيه المرء أقرب إلى الموت منه إلى الحياة، وهو يوقن بأن النصر من عند الله، فهو بهذه النية يخطب بهذه اللغة تبركاً وتقرباً إلى الله ورسوله.
وقد عملت في الجندية ردحاً طويلاً من الزمن، وخطبت الضباط والجنود في الوحدات الصغرى والوحدات الكبرى بالتدريج، حسب تقدمي رتبةً ومنصباً. وكثيراً ما كانت الوحدة التي أقودها مؤلفة من غير العرب، كالأكراد مثلاً، فكنت ألقي خطابي بالعربي، وأضع مع مَن لا يفهم العربية مَن يترجم لهم كلامي نصّاً وروحاً، وهذا ما فعله طارق حين خطب بالعربية الفصحى في رجاله البربر، فلم ينس أن يجعل بينهم مَن ينقل إليهم كلماته، وليس ذلك صعباً بل هو سهل ميسور.