للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مستقلِّين (١).

والواقع أن لهذه المدن، ولغيرها، في أيام لذريق وأسلافه من ملوك الأندلس، حكاماً مستقلين، ولكنهم كانوا يرتبطون بالملك ويخضعون لأوامره وتوجيهاته، فلما قضى المسلمون على لذريق، كما قضوا على معظم جيشه الذي هو جيش المملكة المسئول عن حمايتها والدفاع عنها، وليس جيشاً محلياً مسئولاً عن حماية منطقة معينة والدفاع عنها، لم يبق في الأندلس ملك يجمع شمل الحكام تحت سيطرته ورايته، ولم يبق جيش للملك يفرض سيطرته على الحكام وعلى مناطقهم، ويعين الملك على فرض سيطرته، ويسيطر على أرجاء البلاد كافة ويجمع شملها ويوحِّد كلمتها، فأصبح حكام المدن الأندلسية والمناطق الأندلسية بطبيعة الحال حُكاماً مستقلين، كل واحد منهم هو المسؤول الأول عن حماية مدينته أو منطقته والدفاع عنها، إذ لم يبق من يدافع عنهم بعد القضاء على الملك وجيشه، بفضل انتصار المسلمين على القوط في معركة وادي لَكُّهْ الحاسمة، وليس كما يحاول إظهاره بعض المؤرخين الأجانب، بأنه أثر من آثار يليان وحزب غيطشة في القوط، لا أثر من آثار انتصار المسلمين على القوط.

واستبان لطارق كثرة مَن معه من المجاهدين، وصعوبة الاستفادة منهم جميعاً في حملة واحدة، وضعف مقاومة القوط المندحرين، فاستمع إلى نصيحة يليان بأن يفرِّق جنده في بعوث جانبية قائلاً له: "قد فتحت الأندلس، فخذ من أصحابي أدلاّء، ففرِّق معهم جيوشك، وسر معهم إلى مدينة طُلَيْطُلَة" ففرق جيوشه من إِسْتِجَّة (٢).

ووجه طارق من إِسْتِجَّة سرايا جنده إلى عدّة جهات، فبعث جيشاً بقيادة مُغِيث الرُّومي مولى الخليفة الوليد بن عبد الملك لفتح مدينة قُرْطُبَة ( Cordoba) في سبعمائة فارس، فاستطاع مغيث فتح المدينة دون مشقة كبيرة بفضل


(١) الرازي نشر جاينجوس (٦٩)، وقارن: Livemore.P.٢٨٨
(٢) فتح الأندلس (٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>