للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والواقع هو أن يهود الأندلس، قبل الفتح الإسلامي للأندلس، كانوا مضطهدين من ملوك القوط ومن القوط أنفسهم، فلما انتصر المسلمون على القوط، عرض يهود خدماتهم على المسلمين، الذين رفعوا عنهم الظلم وعاملوهم بالحسنى معاملة إنسانية، كدأبهم مع المظلومين بعامة وأهل الكتاب منهم بخاصة، فعاونوا حاميات المدن الأندلسية المفتوحة من المسلمين، بإنذارهم المبكر بنوايا القوط وتحركاتهم، والمسلمون وحدهم يدافعون عن المدن المفتوحة، بالاستعانة بالعيون والأرصاد والجواسيس من يهود الأندلس، باعتبارهم من أهل تلك المدن، وأعرف الناس بمداخلها ومخارجها ومواطن ضعفها وقوتها، ولم يتطرق مصدر من المصادر الإسلامية إلى أن يهود الأندلس دافعوا عن المدن المفتوحة مع المسلمين بالسلاح، ولم تتطرق تلك المصادر إلى أن يهود الأندلس قاتلوا القوط مع المسلمين.

ولقد عاون يهود الأندلس المسلمين الفاتحين، لأن المسلمين كانوا أعداء القوط، وعدوّ عدوي صديقي - كما يقول المثل العربي المشهور - ولكن هذا السبب ليس كافياً بالنسبة للعقلية اليهودية المعروفة، والسبب المهم هو أن المسلمين هم المنتصرون، والقوط هم المغلوبون، فهم دائماً مع المنتصر على المغلوب، ومع القوي على الضعيف، لأنهم يستفيدون من المنتصر لحمايتهم وتوقع الانتفاع منه في مصالحهم المادية والمعنوية. ثم إن المسلمين الفاتحين أصبحت بيدهم مقاليد الأمور في المدن المفتوحة، وهم حكام الأندلس اليوم وغداً. أما القوط، فقد كانوا حكام الأمس، ولا فائدة ترتجى منهم اليوم أو غداً، ويهود مع من بيده مقاليد الأمور، الحاكم الذي يستطيع أن يفيد ويضر، لا مع من لا يستطيع أن يفيد ويضر، وليس له من الأمر أي شىء. وقد ذاع عدل المسلمين ومعاملتهم الناس بالحسنى، بينما جرّب يهود الأندلس القوط، فلم يجدوا منهم إلاّ الظلم والاضطهاد، فعاونوا أصحاب العدل على أصحاب الظلم، وأصحاب الرحمة على أصحاب الاضطهاد.

<<  <  ج: ص:  >  >>