للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سماعهم أخبار النصر الذي أحرزه طارق على لذريق، اتجه البربر نحو الأندلس من كل صوب، واجتازوا المضيق بكل ما وقعت عليه أيديهم من قوارب ومراكب، وبعد وصولهم استوطنوا المناطق السهلة من البلاد التي هجرها سكانها الأصليون، الذين اضطروا إلى اللجوء نحو القلاع والحصون، أو هربوا إلى المناطق الجبلية (١).

وبعد أن فتح المسلمون عاصمة البلاد وكسروا قوات لذريق وقضوا على كل أمل للقوط في العودة إلى الحكم، تقدم أبناء غيطشة إلى طارق يطلبون إليه الوفاء لهم بما وعدهم من الكرامة وحسن الجزاء، ويبدو أنهم كانوا يطمعون أن ينسحب المسلمون من الأندلس ليعود أبناء غيطشة إلى الحكم من جديد، فلما تبين لهم أن طارقاً ومن معه جاءوا ليبقوا لا ليرحلوا، وأنهم جاءوا لنشر الإسلام بالدعوة إلى الله، سُقط في أيديهم، ووجدوا أن لا مندوحة لهم عن القناعة بما يمنحهم المسلمون إيّاه، فمنحهم طارق ضياع أبيهم - وكان عددها كبيراً - وأمضاها لهم. ويبدو أنهم طمعوا بالمزيد، فلم يجبهم طارق إلى ما سألوا، لأن ذلك يخالف ما وعدهم به، وهو منحهم ضياع أبيهم بلا زيادة ولا نقصان، فاستأذنوا طارقاً في المسير إلى موسى بن نُصير في إفريقية، وسألوه الكتابة إليه بشأنهم معه، وما أعطاهم من عهد، ففعل. ولما بلغوا موسى، أقرّ طارقاً على ما فعل. ويبدو أنهم ألحّوا على موسى بالزيادة، فأحالهم على الخليفة نفسه (٢)، فأقرّ عهد موسى وطارق (٣).

وكان طارق على صلة بقائده موسى بن نُصير: يفتح الفتوحات باسمه وبتعليماته وأوامره ووصاياه، ويخبره عن كل شيءٍ أولاً بأوّل منذ بداية الفتح، ويستشيره بكل ما يحتاج إلى المشورة، "اتصل الخبر بموسى بكتاب طارق إليه، فكتب به، موسى إلى ...........................................


(١) نفح الطيب برواية الرازي (١/ ٢٥٩).
(٢) نفح الطيب برواية الرازي (١/ ١٦٧ - ١٦٨).
(٣) فجر الأندلس (٨٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>