أليس هذا الذي حدث في معركة السَّواقي، وفتح طليطلة ثانية، دليلاً قاطعاً، على أن المسلمين بقيادة طارق بعد تغلغلهم العميق في البلاد، أصبحوا في خطر جسيم، لانكشاف جناحيهم: الأيمن والأيسر، ولتهديد خطوط مواصلاتهم الطويلة الواهنة، فكان عبور موسى هو لدرء هذا الخطر الجسيم، كما أن بقاء طارق في طليطلة دون فتح جديد، ودون لقاء موسى، بالرغم من مضي مدة طويلة من الزمن على عبور موسى، هو لتثبيت حشود المقاومة القوطية في أماكنها دون التعرض بقوات موسى وقوات طارق لأطول مدة ممكنة. كما أن حركة طارق للقاء موسى في طريقه إلى طليطلة، وهو طريق جبلي وعر فيه حشود المقاومة القوطية المتربِّصة بالمسلمين، كان لمعاونة موسى على اجتياز الطريق المحفوف بالمخاطر سالماً آمناً، أو ضمان إحراز النصر على القوط إذا اشتبكوا بالمسلمين، لأن اشتباكهم بقوات موسى وقوات طارق أصعب عليهم من اشتباكهم بقوات موسى وحدها.
إن كل ما حدث يدلّ على أن القائدين كانا يعملان لمصلحة المسلمين العليا، لا لمصلحتهما الشخصية الضيقة، فلا مجال لتصديق ما زعمه بعضهم من حدوث مشادات بينهما، قد تصدق على إطفاء ما يعتلج في صدور الصبيان من حزازات، دون أن يخطر أمثالها ببال قائدين عظيمين.
وبالإمكان ذكر أدلّة جديدة، على أن موقف طارق والمسلمين في الأندلس، نظراً لاندفاعهم السريع في عمق البلاد، كان موقفاً خطيراً للغاية وواهناً إلى أبعد الحدود، وهو السبب في استنجاد طارق بموسى، وعبور موسى بنفسه إلى الأندلس، لمعالجة الموقف الراهن وملافاة أخطاره، ولو أن الأمر أصبح لا يحتاج إلى أدلة جديدة، ولكن استكمال البحث بالدرجة الأولى، هو الذي يحملني على ذكرها بإيجاز، ثم لتكون أدلة جديدة تضاف