لقد كان تغلغل طارق بقواته القليلة نسبياً، بالعمق في الأندلس، هو نقطة الضعف، في قيادة طارق، فقد كان تغلغل قواته عمقاً لا يتناسب مع حجمها في حال من الأحوال.
ولا يمكن أن تخفى نقطة الضعف هذه على طارق، بما عرف عنه من سجايا قيادية عملية لا تتكرر إلاّ نادراً. ويمكن تعليل أسباب وقوع طارق في هذا الخلل الذي كان يمكن أن يأتي على فتوحه ويكبّد قواته خسائر فادحة مادياً ومعنوياً، بأنه لم يكن يعمل وحده في الأندلس، ولا كان فتحها يهمه وحده، فقد كان موسى بن نصير مسئوله المباشر إنساناً وقائداً، مطلعاً على موقف طارق إطلاعاً مفصلاً، فكان لا يتهاون في إمداد قواته بالرجال، ويحرص على مصير قوات طارق حرص طارق عليها. كما كان مصير فتوح طارق لا تهمّ طارق وحده، بل تهمّ موسى بالدرجة التي تهمّ طارقاً، إن لم يكن يهمّ موسى أكثر مما يهمّ طارقاً - وبخاصة وأن الخليفة يحاسب موسى على مصير قوات طارق ومصير فتوحه، لو لحق بقوات طارق وفتوحه ضرر من جرّاء إهمال موسى في المدد أو تقصيره، لذلك بادر موسى إلى قيادة المدد بنفسه رغم شيخوخته، مبالغة في حرصه على معاونة طارق والتعاون معه، وقطع الخطر الذي تعانيه قواته، والعمل على إكمال الفتوح إلى نهايتها المرجوة، التي يتمناها موسى كما يتمناها طارق. ومن الواضح جداً، أن موسى، كان بإمكانه أن يولّي أحد أبنائه قيادة المدد، أو يولّي هذا المدد أحد قادته المرءوسين، وكان أولاد موسى قادرين على تحمل أعباء قيادة المدد عن أبيهم الشيخ، وكان قادة موسى المرءوسون مجرَّبين في الفتوح والمعارك وقادرين على تحمل أعباء قيادة المدد أيضاً، ولكن موسى قرر أن يتحمل مسئوليته كاملة، بعد أن وجد مبلغ ما يحيق بقوات طارق من أخطار جسيمة، فزجّ نفسه في معارك واضحة المخاطر، ولكن حرصه على مصير المسلمين والفتح غطّى على ما توقعه من مشقات وأخطار، فآثر سلامة المسلمين وراحتهم على سلامته وراحته.