الفلول في معاقلها الجديدة، وعلى رأسها مدينة طليطلة، فتوجه على رأس القسم الأكبر من رجاله إلى طليطلة، وفرق السريا إلى المدن المجاورة لإستجة، عاملاً بنصيحة يُليان، لأنها تحقق هدفه الحيوي في مطاردة فلول القوط أينما وُجدوا وحيثما اتجهوا، كما تُحقق هدفه فى الفتح؛ وهكذا فرض الموقف الراهن نفسه على طارق، فازداد تغلغله في عمق البلاد، وتوسعت جبهته، وكان هذا التغلغل والتوسع في الجبهة لا مفرّ منه، بالنظر للموقف العسكري الراهن، على الرغم من خطره الداهم على قوات المسلمين.
لقد اضطر طارق على اتخاذ هذا المسلك اضطراراً، وهو يعلم حق العلم محاذيره. ومن الواضح أن طارقاً، بعد انتصاره على القوط في المعركة الحاسمة، وكانت قوات القوط متفوقة على قوات المسلمين تفوقاً ساحقاً في تلك المعركة - كما ظهر لنا من دراسة المعركة - وهو يرى طارق انسحاب فلول القوط بأعداد ضخمة من ساحة المعركة في اتجاهات مختلفة، على غير هدى وبصيرة غالباً، وعلى هدى وبصيرة نادراً، فكان الموقف الراهن، يقضي عليه أن يطارد الفلول القوطية، مستفيداً من حالة انهيارها المادي والمعنوي، نتيجة لقتل ملكها أولاً، ولهزيمتها ميدانياً ثانياً، إذ لا يمكن أن يستمر هذا الانهيار طويلاً، فمن الواجب استغلاله بأقصى ما يمكن دي مطاردة سريعة مدبرة، خوفاً من أن يستعيد القوط تماسكهم المادي والمعنوي، ويتجاوزوا مدة الانهيار الذي يعانونه، والذي لا يمكن إدامته وتعميق آثاره، إلاّ بالمطاردة الفورية، وهذا ما طبقه طارق عملياً، فقاده إلى التغلغل عمقاً، وإلى توسيع جبهة المسلمين، بدون أن يزداد تعداد المسلمين في حينه.
والواقع أن طارق كان أمامه مسلكان لا ثالث لهما: أن يكتفي بانتصاره في المعركة الحاسمة، ويتخذ موضعاً دفاعياً مناسباً، ريثما تصل إليه الإمدادات، ثم يستأنف مسيرته لاستكمال ما بدأه من فتوح.
ومحذور هذا المسلك، أن يستعيد فلول القوط رشدهم، الذي فقدوه من جراء هزيمتهم وقتل ملكهم، وجسامة خسائرهم بالأرواح والأموال،