ويذكر له، أنه غنم مغانم جسيمة في الأندلس، ولكنه لم يخلّف أرضاً ولا داراً، ولم يُورث درهماً ولا ديناراً.
ويذكر له، أنه كان محبوباً من البربر، تتوجه حشودهم بأمره إلى الجهاد، بدون سؤال ولا جواب.
ويذكر له، أنه لمع سنوات معدودات فاتحاً، ثم سطع حتى بهر الناس شرقاً وغرباً، ولكنه انطفأ فجأة، فاندثر إنساناً، وبقيت فتوحه لا تندثر أبداً.
ويذكر له، أنّ بقدر حديث المؤرخين عنه قائداً، بقدر إغفال الحديث عنه إنساناً، فطارق القائد معروف جداً، وطارق الإنسان مجهول جداً.
ويذكر له، أن فتوحه الأندلسية، قوبلت بالعقوق، وقضى أيامه بعد رحيله من الأندلس إلى دمشق، مغموراً مجهول المكانة والمكان.
ويذكر له، أنه احترق بنار مولاه موسى، فتحمَّل ما تحمَّله موسى ثابتاً صابراً محتسباً، دون أن يقترف ما يستحق عليه العقاب.
ويذكر له، أنه لم يحاسب كما حوسب غيره في تصرفه بالأموال، بل كانت جريمته الأولى والأخيرة، أنه ذو شعبية طاغية في المغرب والأندلس، فيخشى على السُّلطة من شعبيته وعواقبها، ويُخشى من الناس أن يستغلّوه في مصاولة السُّلطة، ويُخشى من استجابته للناس، فيضع السُّلطة في اختبار عسير.
ويذكر له، أن الخروج على السُّلطة، كان يدور في خَلَد حاسديه من الطامعين في ولاية الأندلس، ولا يدور في خلده طرفة عَيْن، لأنه كان أكبر من المناصب، تسعى إليه ولا يسعى إليها، ويعتبرها تكليفاً لا تشريفاً.
ويذكر له، أن السُّلطة أقصته عن القيادة، اعتماداً على ما سمعته عنه لا على ما تحققته منه، فذهب ضحيّة الوشاية والافتراء، لا ضحية الواقع واليقين، وخسر الفتح بإقصائه قائداً لا يتكرر إلاّ نادراً، وكانت الخسارة بإقصائه قائداً وإنساناً لا تعوّض.