للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحقير (١)، استهانة به، وهؤلاء خصومه من أعداء الخوارج. وكان الرجل في مبدأ حياته بسيطاً عمل سقّاء يبيع الماء في سوق القيروان، مركز الإشعاع الديني، حيث العلماء والفقهاء وأهل الزهد والورع والتقوى. وكان بين هؤلاء مَن يدعو إلى العودة بالإسلام إلى نقائه الأول، ويقف في وجه الإجراءات التي تخلّ بمبدأ: الإخاء والمساواة بين جميع المسلمين، فكانوا كما يبدو يروِّجون عن غير قصد لمبادئ الخوارج، أي لمبادئ الثورة على الدولة (٢).

وقد كان ميسرة يسعى إلى تحقيق المساواة في الأعطيات بين العرب والبربر في الجيش الإفريقي، فقصد ميسرة على رأس وفد من المغاربة يبلغ حوالي عشرين رجلاً دمشق للفت نظر هشام بن عبد الملك إلى مطالب المغاربة، فطال مقامهم بباب الخليفة دون جدوى. وتتلخص مطالب المغاربة؛ في أن أمير المغرب عندما يغزو بجنده العربي وبالمغاربة، فإنه يحرم المغاربة من نصيبهم من الغنيمة ويقول: "هذا أخلص لجهادكم"، وإذا حاصر مدينة قال: "تقدَّموا" وأخّر جنده، وأراد ميسرة ومن معه أن يعرفوا: أعن رأي أمير المؤمنين هذا أم لا (٣)؟!. وموضع الشكوى في هذه الرواية هو: تمييز العرب على المغاربة، مما يتضمن عدم تطبيق مبدأ المساواة والإخاء بين المسلمين، مما يعتبره بعضهم خروجاً على مبادئ الإسلام.

وعاد ميسرة وجماعته من الشام بعد أن خاب رجاؤهم في إنصاف الخليفة، فخرجوا من المعارضة الصامتة إلى الثورة المسلحة. وبدأت الثورة في طنجة في موطن مدغرة قبيلة ميسرة، حيث أعلن نفسه إماماً وبايعه الناس (٤). وسرعان ما انضمت إلى قبيلته جميع قبائل المنطقة من غمارة ومكناسة وبرغواطة، وكانت دعوة الخوارج منتشرة في قبيلة برغواطة بفضل طريف


(١) البيان المغرب (١/ ٥٢).
(٢) ابن الأثير (٥/ ١٩١).
(٣) أنظر التفاصيل في الطبري (٤/ ٢٥٤ - ٢٥٥) وابن الأثير (٣/ ٩٢ - ٩٣).
(٤) ابن الأثير (٥/ ١٩١) وفتوح مصر والمغرب (٢١٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>