للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على النصارى، وترك لهم حريّة الاحتكام إلى شرائعهم. وفي زحفه نحو الشرق لفتح أكويتانا، قاومه البشكنس والقوط سكان تلك الأنحاء مقاومة عنيفة، ولكنّه تغلّب عليهم. وقصد طولّوز، وكان الدوق أودو قد حشد في تلك الأنحاء جيشاً ضخماً، فسار على رأس جيشه لردّ المسلمين. وعلم السَّمح بذلك، فارتدّ عن مهاجمة طولّوز، ليلقى جيش الدوق أودو، رغم تفوّق جيش الفرنج على جيش المسلمين بالعَدَد (١)، حتى وصف مؤرخو العرب كثرة جيش الفرنج بقولهم: "إنّ العِثْيَرْ (٢) المتطاير من زحف أقدامهم، كان يغطي عين الشمس من كثرتهم"، فتلا السَّمح لرجاله الآية الكريمة: ((*إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ*)) (٣). ولمّا تلاقى الجمعان، خُيِّل أنّ الجبال تلاقى بعضها ببعض، وكانت المعركة من أهول ما يتصوّره العقل، وكان السَّمح يظهر في كلّ مكان، وسيفه يقطر دماً وهو يرفع معنويات رجاله بقوله وبفعله، وكان كالفحل الهائج لا يردّ رأسه شيء، أو كالأسد الزائر يحمل على العدو فلا يقف أحد في وجهه (٤).


(١) دولة الإسلام في الأندلس (١/ ٨٠).
(٢) العثير: الغبار.
(٣) الآية الكريمة من سورة آل عمران (٣/ ١٦٠).
(٤) أخبار مجموعة (٣٤) ونفح الطيب (٣/ ١٥) والببان المغرب (٢/ ٢٥ - ٢٦)، وتذكر المراجع العربية أنّ هزيمة السَّمح كانت عند طرسونة، والأصح أن يقال أنها عند طرسكونة ( Tarascon) على مقربة من طولّوز عند مصب نهر الرون، وقد ذهب إلى هذا الرأي سافدرا، معتمداً على ما ذكره إيزيدور الباجي، من أنّ السَّمح استشهد عند طولّوز (طولوشة) في موقعة حامية بينه وبين دوق أكويتانا، وقد ذهب إيزيدور إلى أنّ هزيمة المسلمين كانت قاصمة، كما يقرر صاحب مدوَّنة مواسياك كذلك أنّ هزيمة السَّمح ومقتله كان عند طولوز، أنظر الهامش الرقم (١) من كتاب فجر الأندلس (٢٤٦)، وانظر تاريخ غزوات العرب (٧١) ودولة الإسلام في الأندلس (١/ ٨٠) وفجر الأندلس (٢٤٥)، وأنظر ما جاء حول استشهاد السَّمح في: جذوة المقتبس في ذكر ولاة الأندلس (٣٣٦ - ٣٣٧) وبغية الملتمس في تاريخ رجال الأندلس للضبّي (٣١٦) وابن الأثير (٥/ ٤٨٩) وابن خلدون (٤/ ٢٥٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>