للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غيرها من أقاليم ومدن الأندلس التي خُمِّست هي الأخرى.

ولم يكد السَّمح يمضي في تنظيم شئون البلاد المالية، حتى اجتمع له مبلغ كبير من المال، وكانت قنطرة قرطبة الرومانية التي كانت مقامة على نهر الوادي الكبير للاتصال بنواحي جنوبي الأندلس قد تهدَّمت، ولم يعد الناس يستطيعون العبور إلاّ في السُّفن، وكان المسلمون بأمسّ الحاجة إلى قنطرة متينة يستطيعون العبور عليها، فوجد السَّمح أنّ بناء هذه القنطرة هو من أهمّ ما ينبغي أن ينفق فيه هذا المال المتجمِّع، فكتب إلى الخليفة عمر بن عبد العزيز يستأذنه في ذلك، فأذن له، فقام السَّمح: "ببنائها، فصنعت على أتمّ وأعظم ما عُقد عليه جسر في معمورة الأرض، من حجارة سور المدينة، وكانت القنطرة القديمة موصولة الرّقبة بباب المدينة القبلي بها، وقد تصدّعت هذه القنطرة في أيام الإمام عبد الرحمن الداخل" (١).

ويبدو أن السَّمح كان ماضياً في تنظيم البلد وإحصاء أمواله، ولكن الظروف لم تمهله، لأنّ خلافة عمر بن عبد العزيز لم تطل، وهو لم يُوَلَّ إلاّ بعد أن انقضى منها نحو العام، وكان عليه إلى جانب هذا العمل الإداري أن ينشط للفتوح في أوقاتها، وكان عظيم الرغبة في الجهاد (٢)، وقد أبدى في جميع أعماله حزماً ورفقاً وعدلاً، فالتفّ الزعماء حوله، وخبت الفتنة، وهدأت الخواطر، واستقرَّ النِّظام والأمن (٣).

وبالرغم من أنّ ولايته على الأندلس، كانت سنتين وثمانية أشهر (٤)، وقيل: كانت سنتين وأربعة أشهر، وقيل: ثلاث سنين (٥)، وهي مدّة قليلة جداً، إلاّ أنّ إصلاحاته الإدارية والمالية واضحة للعيان، فكان عند حسن ظنّ


(١) فتح الأندلس (٢٥).
(٢) فجر الأندلس (١٣٨ - ١٣٩).
(٣) دولة الإسلام في الأندلس (١/ ٧٤).
(٤) نفح الطيب (٣/ ١٥) وانظر البيان المغرب (٢/ ٢٦).
(٥) البيان المغرب (٢/ ٢٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>