إنّ الفتح الإسلامي، في سعة رقعته، وسرعة تحقيقه، خلال القرن الأول الهجري، الذي هو خير القرون، خير دليل على انتصار العقيدة الراسخة في معارك الجهاد، وكان السَّمح أحد قادة الفتح الإسلامي، الذي كان حافزه الأول والأخير، إيمانه الراسخ، وحرصه على خدمة الإسلام والمسلمين، ورغبته في الشهادة، فليس من العدل والإنصاف في شيءٍ تقريباً، أن نحاسبه بالمقاييس الماديّة الشائعة في العسكرية الحديثة، بعد أن أصبحت المادة كلّ شيءٍ تقريباً؛ وحتى رفع المعنويات تكون بوسائل ماديّة؛ والسَّمح قد عاش في قرن كانت فيه المقاييس المادية ثانوية بالنسبة للمقاييس المعنوية، وهو القرن الأول الهجري، يوم كان الإسلام في مَدِّه العارم، يكتسح كلّ شيء، ولا يقف أمامه شيء.
ليس من العدل والإنصاف أن نقول: ما دام السَّمح قد علم بحشود الفرنج المتفوقة، فكان عليه أن ينسحب من ميدان المعركة، إلى منطقة إسلاميّة آمنة، حيث يكمل استعداداته للقتال، ثمّ يستأنف الفتح، ويكون احتمال انتصاره حينئذٍ على الفرنج كبيراً. لأنّ محاسبة أمثال السَّمح، بمثل هذا المنطق المادي ليس عدلاً ولا إنصافاً، فقد كان بوادٍ، وكانت المادة بوادٍ آخر. ولو كان للناحية المادية اعتبار، كالاعتبار الذي لها في هذه العصور، في غياب العقيدة الراسخة، لما كان فتح إسلاميّ، ولما أصبح ذلك الفتح فتحاً مستداماً، لأنه ليس فتح سيف حسب، بل فتح عقيدة قبل أن يكون فتح سيف، فلا عجب من انحسار ما استولى عليه الرومان والروم والفُرس واليونان والأمم الأخرى، وبقاء الفتح الإسلامي ثابتاً رصيناً، لأنّ ما استولت عليه الأمم احتلال واغتصاب، وما استولى عليه المسلمون فتح، وشتّان بين الاحتلال والاغتصاب الزائلين وبين الفتح الباقي.
إنّ المقاييس الماديّة كانت غائبة في أيام الفتح، وكانت المقاييس الروحية هي السائدة، وعلى هذا الأساس يمكن محاسبة السَّمح لا على أساس