تكن مكتوبة يومذاك في صفحات أو كتاب كما نعرفه اليوم، كما كانت معروفة بالتجربة العمليّة، يتلقّاها أصحاب الرغبة فيها من الفتيان، من أصحاب الخبرة فيها من المجاهدين والفرسان؛ وكما كان كثير من الآداب والعلوم والفنون، تُحفظ عن ظهر قلب ويلقِّنها العالِمون بها للمتعلمين، كذلك كانت علوم العسكرية وآدابها وفنونها تحفظ عن ظهر قلب، ويلقِّنها العالِمون بها الممارسون لها والمجرِّبون، للمتعلِّمين في المجال النظري والعملي، وبهذا الشكل كانت تسير أمور التّعليم والتدريب العسكريّين في القرن الأول الهجريّ، قبل تدوين العسكريّة العربيّة الإسلاميّة من بعد ذلك كما هو معروف.
وقد طبّق عبد العزيز الفنون العسكريّة النظريّة عمليّاً في ميدان الجهاد، وبذلك جمع التدريب الفنّي النظري والعملي، ووضع معلوماته العسكريّة النظريّة في حيِّز التنفيذ.
ولعلّ مما زاد في فرصه تعليماً وتدريباً، هو تلقّي علومه وتدريباته في كنف والده القائد الإداريّ الّلامع موسى بن نصير، وبخاصة بعد تولّي موسى إفريقيّة والمغرب في أواخر سنة خمس وثمانين الهجريّة، أو في أوائل سنة ست وثمانين الهجرية، حيث شهد فتوح موسى في المغرب، فلما عبر موسى إلى الأندلس في رمضان من سنة ثلاث وتسعين الهجريّة (١)(٧١٢ م)، ازدادت فُرص عبد العزيز التعليميّة والتدريبية عملياً في الفتوحات، حتى إذا نضج وأصبح قادراً على تولّي مهام القيادة، ولاّه أبوه موسى منصباً قيادياً، فأضاف بقيادته فتحاً جديداً على فتوح طارق بن زياد وفتوح والده موسى بن نُصير.
(١) ابن الأثير (٤/ ٢١٥)، وفي فتح مصر والمغرب (٢٨٠): إنّ موسى خرج إلى الأندلس في رجب سنة ثلاث وتسعين، ويحدِّد الرازي تاريخ خروجه من إفريقيّة إلى الأندلس في رجب سنة ثلاث وتسعين، أنظر نفح الطيب (١/ ٢٥٩) وكذلك في النجوم الزاهرة (١/ ٢٦٦)، وذكر عبد الملك بن حبيب أنّ موسى دخل الأندلس في جمادى الأولى سنة ثلاث وتسعين، أنظر نفح الطيب (١/ ٢٣١).