من الرجال، حتى ولو كان ابنه أو قريبه، منصباً قيادياً أيام الحرب، إلاّ إذا كان ذلك الرجل حائزاً على المزايا القيادية التي يجب أن يتحلى بها القائد الذي يتولى منصباً قيادياً في زمن الحرب، حتى يمكن أن ينجح القائد في قيادته ويملأ منصبه، ويكون بمقدار منصبه أو أكبر منه، لا أن يكون أقل من منصبه كفايةً واقتداراً. لأن الكفاية العالية والاقتدار المتميز، هما العاملان اللذان يُعتبران من أهم عوامل إحراز النصر. أما الكفاية الواطئة والاقتدار الضعيف، فلا يؤديان إلاّ إلى الهزيمة، وما يتبع الهزيمة من خسائر مادية ومعنوية، تؤثر أول ما تؤثر في سمعة الذي ولىّ القائد القادر ومصيره، وتؤثر أول ما تؤثر في سمعة الذي ولىّ القائد الهزيل ومصيره. لذلك نجد أن الخلفاء لم يولوا أبناءهم كافة مناصب قيادية، بل ولَّوْا مَن يستحق هذا المنصب حسب، إذا وجدوا بين أبنائهم مَن يستحقه، وإلاّ ولّوا مَن يرون فيه الكفاية والاقتدار، واستعراض قائمة القادة من أبناء الخلفاء وغيرهم، خير دليل على ذلك.
وعلى ذلك، فإن موسى بن نصير، وهو مَن نعرف، من ألمع قادة الفتح الإسلامي، وأكثرهم كفاية واقتداراً، لا يمكن أن يولي عبد الأعلى منصب القيادة، إلاّ إذا كان يتحلى بالكفاية العالية والاقتدار المتميز، وبخاصة في أيام استشراء المقاومة القوطية في الأندلس، فأصبحت تهدّد خطوط مواصلات قوات المسلمين وجناحيهم الأيمن والأيسر بأفدح الأخطار. ومن المعلوم أن موسى لم يولِّ منصب القيادة أبناءه كافة، بل اكتفى بتوليه عبد العزيز وعبد الأعلى في فتوح الأندلس، وكان له أبناء كثيرون، تذكر التاريخ قسماً منهم، ونسي قسماً منهم، وحتى الذين تذكرهم وذكرهم التاريخ، لم يتولوا مناصب قيادية جميعاً، بل تولاّها قسم منهم فقط، كما هو معروف.
ويبدوا أن موسى بن نصير ولّى ابنه عبد الأعلى منصباً قيادياً في زمن الفتوح، وفي ظروف عصيبة بالغة الخطورة، قد يؤدي إخفاق المسلمين في معركة واحدة من معارك الفتوح، إلى انهيار معنوياتهم وارتفاع معنويات القوط، وإلى تكبيد المسلمين خسائر فادحة بالأرواح، وقد تؤدي إلى إخفاق خطط الفتح أو