للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وبالهجوم على قاعدة انطلاقه ثانياً. وكان الهجوم. على صقلية أنجع وسائل الدفاع عن الساحل الإفريقي، فليست غارة عبد الله يومئذ على صقلية إلاّ التعرّض بالرّوم الذين اتخذوا منها قاعدة أمامية متقدمة للتعرض بالساحل الإفريقي الإسلامي، وما كان أمام المسلمين من خيار غير تلقين الرّوم فيها، بالغارة عليها درساً لا ينسونه، وقد تولى عبد الله قيادة تنفيذ هذا الدرس على الرّوم في صقلية.

وحين نقول: إن المسلمين يومئذ، لم يكونوا يستهدفون المغانم غايةً لهم من المغارات أو من مختلف أنواع الجهاد، فهذا لا يمنع أن يكون بينهم من يستهدف المغانم، ولكن القاعدة هي أن يكون الجهاد لإعلاء كلمة الله، والاستثناء هو استهداف المغانم، والعبرة بالقاعدة لا بالاستثناء.

وفي سنة سبع وثمانين الهجرية (٧٠٥ م) أغزى موسى بن نصير ابنه عبد الله بن موسى سردينيا (١)، فافتتح نِوَلَة (٢)، وعاد سالماً غانماً (٣).

وهذه غارة أخرى على قاعدة الرّوم الأمامية المتقدّمة، ومثل هذه الغارات التأديبية، مفيدة للغاية لحماية المناطق الساحلية من إفريقية، من غارات الرّوم البحريّة، ومن محاولاتهم التعرّضية المستمرة بالمسلمين في تلك المناطق، طمعاً في استعادة إفريقية إلى حكمهم من جديد. وتلك الغارات، لا تقنعهم عملياً بصعوبة الاستعادة حسب، بل تلقِّنهم درساً قاسياً في عقر دارهم وعلى قواعدهم البحرية، وتثبت لهم بالهجوم عليهم لا بالدفاع المُسْتكِن في المناطق المفتوحة، أن محاولات الإستعادة لن تمرّ بدون عقاب صارم، يضع حداً


(١) سردانية: جزيرة في بحر المغرب كبيرة، ليس هناك بعد الأندلس وصقلية أكبر منها، أنظر التفاصيل في معجم البلدان (٥/ ٦٦).
(٢) نولة: حصن من أعمال مرسية بالأندلس، أنظر معجم البلدان (٨/ ٣٢٨)، ويبدو أنه حصن من حصون جزيرة سردانية، كما يدلّ على ذلك سياق الخبر.
(٣) النجوم الزاهرة (١/ ٢١٦)، وأنظر العبر (١/ ١٠٤) وشذرات الذهب (١/ ٩٨) والبداية والنهاية (٩/ ٧٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>