على لقائه في معركة حاسمة. وفي ٢٠ من ربيع الثاني سنة (٧١٨ هـ - مايس - مايو - ١٣١٨ م) التقى فرسان الأندلس بطلائع النصارى، وردّوهم بخسارة فادحة. ثم زحف أبو سعيد في نخبة من جنده، ونشبت بين الفريقين معركة شرسة، كانت الدائرة فيها على القشتاليين، فمزّقوا شرّ ممزق، وقتل منهم عدد جمّ بينهم دون بيدرو (دون بطرة) ودون خوان ورهط كبير من الأمراء والنبلاء والأحبار، وغرق منهم عند الفرار في نهر شنيل عدد كبير من الجيش النصراني وأسر منهم بضعة آلاف، واستمر القتل والأسر فيهم ثلاثة أيام. وخرج أهل غرناطة فرحين مستبشرين، يجمعون الأسلاب والأسرى، وظفر المسلمون بغنائم عظيمة، منها مقادير كبيرة من الذهب والفضّة. وكان على العموم نصراً مشهوداً أعاد ذكرى الجهاد المجيد. وكان معظم الفضل في إحرازه إلى الجند المغاربة وإلى شيوخهم بني العلاء الذين تزعموا الجيوش الأندلسية، وتولّوا قيادتها في تلك الأيام كما ذكرنا. ويعلّل ابن خلدون ظهور القادة والجند المغاربة في ميدان الجهاد بقرب عهدهم بالتقشف والبداوة. ووضع المسلمون جثّة الدون بيدور في تابوت من ذهب على سور الحمراء تنويهاً بالنصر وتخليداً لذكرى هذه المعركة (١).
والواقع أن مملكة قشتالة كانت في أوائل القرن الرابع عشر في حالة سيئة، فقد نفدت مواردها من الرجال والأموال بسبب الحروب والثورات المتواصلة، والمرض والقحط، وكان إسراف البلاط، وبذخ الخلائل، واختلاس الموظفين، ومطالب رجال الدين، وجشع الأشراف، تستنفد الأموال العامة، وكانت الإدارة المالية بيد يهود ورجال الكنيسة، وكلاهما يناوئ الآخر، ويعمل على إحباط مساعيه، وكانت الوصايا المتعاقبة، وما تعمد إليه من اغتصاب الأموال، وسوء استعمال السلطة، وفساد القضاء، وتطاول الخلائل الملكية، وسحق الحقوق العامة والخاصة، وتفشي
(١) أنظر تفاصيل هذء المعركة الشهيرة في: ابن خلدون (٤/ ١٧٢) و (٧/ ٢٥٠) والإحاطة (١/ ٣٩٧) ونفح الطيب (١/ ٢١٠).