للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يوسف، وقع الإجماع على اختياره للوزارة، واستقرّت الأمور في عهده وساد الأمن والرخاء. وينوِّه ابن الخطيب - وهو معاصر للحاجب وصديقه - بصفاته ومواهبه ويسميه: (حسنة الدولة النصرية وفخر مواليها). وكان من أعظم مآثره إنشاء مدرسة غرناطة الشهيرة، فأقام لها صرحاً فخماً، ووقف عليها أوقافاً جليلة، وغدت غير بعيد من أعظم مناهل العلم في الأندلس والمغرب. وأمر ببناء السور الأعظم حول ربض البيازين، وأنشأ عدداً كبيراً من الأبراج الدفاعية، وأصلح كثيراً من الحصون الداخلية، ولكنه كسائر المتغلبين على السلطان، استبدّ بالأمر، واستأثر بكل سلطة. فلما شعر السلطان يوسف باشتداد وطأته، وكثرت السعايات في حقّه، نكبه وأمر باعتقاله ونفيه إلى ألمرية، وذلك في رجب سنة (٧٤٠ هـ). ولكنه اضطر إلى أن يعيده إلى الوزارة بعد ذلك ببضعة أشهر، حينما شعر بالفراغ الذي أحدثه تنحيه عن تدبير الشئون، فاستمر في منصبه حتى نهاية عهده (١).

وكان من بين وزراء السلطان يوسف، الكاتب والشاعر الكبير الرئيس أبو الحسن علي بن الجياب، وقد تقلّب في ديوان الإنشاء حتى ظفر برئاسته. وكان من زملائه وأعوانه في ديوان الإنشاء عبد الله بن الخطيب والد لسان الدين. ولما توفى عبد الله خلفه في خدمة القصر ولده لسان الدين، وغدا أميناً لابن الجياب، فلما توفي ابن الجياب سنة (٧٤٩ هـ) في الوباء الكبير، خلفه في الوزارة، وبزغ نجم مجده من ذلك الحين.

وفي عهد السلطان يوسف، كثرت غزوات النصارى لأراضي المسلمين، وكان الفونسو الحادي عشر تحدوه نحو المملكة الإسلامية أطماع عظيمة. ولما شعر يوسف باشتداد وطأة القشتاليين، وضعف وسائله في الدفاع، أرسل يستنجد بالسلطان أبي الحسن على بن عثمان ملك المغرب، فأرسل الإمداد للمرة الثانية إلى الأندلس مع ولده الأمير أبي مالك، فاخترق سهول


(١) الإحاطة (١/ ٥١٨). وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>