للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المسلمون لإنقاذ المدينة المحصورة جهوداً رائعة، ولكنهم هُزِموا أخيراً، واضطرت المدينة الباسلة إلى التسليم، فدخلها النصارى سنة (١٤١٢ م) وأُسبغ على فاتحها فرديناند من ذلك الحين لقب: (صاحب أنتقيرة). وعاث النصارى بعد ذلك في أراضي المسلمين، وأخيراً رأى السلطان يوسف أن يعقد هدنة مع قشتالة حقناً لدماء المسلمين، واجتناباً لاستمرار هذه المعارك المخرّبة، فارتضى بلاط قشتالة، وعقد السلم بين الفريقين، على أن يطلق ملك غرناطة سراح بضع مئات من الأسرى النصارى دون فدية.

وفي عهد يوسف، ثار أهل جبل طارق، ودعَوْا ملك المغرب أبا سعيد المريني إلى احتلال الثغر، لاعتقادهم أنه أقدر على حمايتهم من غارات النصارى، فبعث إليهم أبو سعيد أخاه عبد الله في الجند تخلصاً منه، ولكن ابن الأحمر ما كاد يقف على هذه المؤامرة، حتى أرسل المدد إلى حاكم جبل طارق، واستطاع الغرناطيون أن يهزموا المغاربة في موقعة حاسمة، وأُسِر زعيمهم عبد الله، فأكرم ابن الأحمر وفادته ثم ردّه إلى المغرب وزوّده بالمال وبعض الجنود ليناهض أخاه، فهرعت القبائل لتأييده، واستطاع أن ينتزع الملك لنفسه من أخيه (١).

ولما عقدت الهدنة بين مملكتي قشتالة وغرناطة، أخذت أواصر السلم تتوثق بينهما، وسادت بين بلاط غرناطة وبلاط إشبيلية علائق المودة والاحترام المتبادل، ولم تشهد غرناطة من قبل عهداً كعهد يوسف ساد فيه الوئام بين الأمتين الخصيمتين، وكانت غرناطة يومئذ تغصّ بالفرسان والأشراف النصارى، تجتذبهم خِلالُ أميرها وبهاء بلاطها وفروسيتها، وكانت حفلات المبارزات الرائعة تعقد بين الفرسان المسلمين والنصارى في أعظم ساحات المدينة، وتجري طبقاً لأرفع رسوم الفروسية الإسلامية، ويشهدها أجمل وأشرف العقائل المسلمات سافرات، وتبدو غرناطة في تلك


(١) الاستقصا (٢/ ١٤٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>