للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والسلاطين (١)، ومنذ عهد السلطان الأيسر، نرى بني سراج في طليعة القادة والزعماء، الذين يأخذون في سير الحوادث بأعظم نصيب. وقد كان حكم السلطان الأيسر، بداية سلسلة من الاضطرابات والقلاقل المتعاقبة. وفي عهده ساءت الأحوال، واشتد سخط الشعب، ولم تُجْدِ محاولات الوزير ابن سراج لتهدئة الأمور. وقامت ثورات متعاقبة، فقد فيها الأيسر عرشه ثم استرده غير مرة، وكان بلاط قشتالة يشجع هذه الانقلابات ويؤازرها، وكان الزعماء الثائرون يتطلعون دائماً إلى عون قشتالة ووحيها. وسنرى فيما يلي كيف كانت دسائس قشتالة ومؤامراتها حول عرش غرناطة في تلك الأيام، من أعظم العوامل في انحلال المملكة الإسلامية والتعجيل في سقوطها.

وفي خلال حكم الأيسر المضطرب، كان النصارى يتربصون الفرص لغزو مملكة غرناطة، فزحفوا عليها في سنة (٨٣١ هـ - ١٤٢٨ م) وتوغلوا في أرجائها، وعاثوا في بسائط وادي آش، فزادت الأمور في غرناطة اضطراباً، وازداد الشعب على الأيسر سخطاً، لأنه فوق غطرسته وتعاليه، لم يفلح في ردّ العدو عن أرض الوطن، وسرعان ما انفجر بركان الثورة وزحف الثوار على الحمراء، ونادَوْا بالأمير محمد بن محمد بن يوسف الثالث، وهو ابن أخي الأيسر. وفي رواية أنه ولده، ومحمد هذا هو الملقّب (بالزغيّر)، وفرّ الأيسر في أهله ونفرٍ من خاصته، وركب البحر إلى تونس مستظلاً بحماية سلطانها أبي فارس الحفصي.

وجلس محمد (الزغيّر) (٢) على عرش غرناطة، وكان أميراً بارع الخلال وافر الفروسية، يعشق الآداب والفنون، وكان يحاول اكتساب محبة الشعب


(١) نفح الطيب (١/ ١٣٨).
(٢) زغير: وهي النطق العامي الأندلسي لكلمة "صغير"، ولا يزال هذا التعبير مستعملاً وشائعاً في العاصمة العراقية، أنظر: Dozy: Supp. aux Dict. Arabes، وذكر كوندي أنّ الزغيّر معناها السكير ( Zaquir) ، أنظر: Conde. ibid; V. ١١١. p. ١٨٢

<<  <  ج: ص:  >  >>