وما كادت تنتهي الفتنة الداخلية التي كانت ناشبة يومئذ في قشتالة، حتى أغار النصارى على أراضي المسلمين، وقصدوا إلى رندة، فهرع الأيسر إلى لقائهم، واستطاع أن يردّهم في البداية، ولكن ملك قشتالة قدم بعدئذٍ بنفسه في قوّات كبيرة، وزحف على حصن اللّوز وأرشدونة، وعاث في تلك المنطقة، ثم عاد إلى قرطبة ومعه كثير من السّبي والغنائم.
وفي أثناء ذلك عاد الأيسر إلى غرناطة، متوجساً من سير الحوادث فيها. وكانت الفتن الداخلية قد عادت تنذر بانقلابات جديدة، وغدا عرش غرناطة مرة أخرى يضطرب في يد القدر. وانقسمت المملكة الإسلامية شيعاً وأحزاباً متنافسة متخاصمة، وألفى النصارى فرصتهم السانحة لإذكاء الفتنة، وبسط سيادتهم على مملكة يسودها الضعف والتفرّق. وكان خصوم الأيسر قد التقَوْا حول أمير ينتمي إلى بيت الملك عن طريق أمه، هو أبو الحجاج يوسف بن المول، وكانت أمه ابنة للسلطان محمد بن يوسف بن الغني بالله، وأبوه ابن المول من وزراء الدولة النصرية. ودبّرت مؤامرة جديدة لخلع الأيسر، وكان يوسف أميراً قوياً، وافر الثراء والهيبة، وكان ملك قشتالة، خوان الثاني، يعسكر يومئذٍ بجيشه على مقربة من غرناطة، يتتبع سير الحوادث، ويرقب الفرص، فقصد إليه يوسف، وطلب إليه العون على انتزاع العرش لنفسه، وتعهد بأن يحكم باسمه وتحت طاعته، فلبَّى ملك قشتالة دعوته، وعقد معه يوسف وثيقة بالخضوع، يقرِّر فيها أنه من أتباع ملك قشتالة وخدامه، وأنه إذا حصل على الملك، فإنه يتعهد بتحرير جميع الأسرى النصارى، وبأن يدفع لملك قشتالة جزية سنوية قدرها عشرون ألف دينار من الذهب، وأن يعاونه بألف وخمسمائة فارس لمحاربة أعدائه سواء كانوا نصارى أو مسلمين، وأن يحضر جلسات مجلس الكورتس (مجلس النواب القشتالي) بنفسه إن كان منعقداً جنوب طليطلة أو بإنابة أحد أبنائه أو ذوي قرابته إن كان منعقداً داخل قشتالة. وتعهد ملك قشتالة من جانبه بأن يعقد الصلح مع يوسف طول أيام حكمه وأيام أبنائه، وأن يعاونه على محاربة أعدائه من المسلمين والنصارى،