للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبين قشتالة، صلح ثابت حسبما يؤيد ذلك اتفاق عقداه يومئذٍ على إجراء التحكيم فيما وقع من كل منهما على أراضي الآخر من ضروب العدوان التي ترتب عليها القتل والأسر والحرق، سواء في البر أو البحر (١). وعلى هذا فقد أرسل السلطان أبو الحسن في أوائل سنة (٨٨٣ هـ ١٤٧٨ م) إلى ملك قشتالة، يطلب تجديد الهدنة القائمة بينهما. وكان فرديناند وإيزابيلا يقيمان يومئذ في إشبيلية، فوافقا على ما طلبه أبو الحسن، ولكن بشرط أن تعترف مملكة غرناطة بطاعتها، وأن تؤدي إلى قشتالة نفس الجزية من المال والأسرى التي كان يؤديها السلاطين السالفون. وأرسلا بالفعل سفيراً إلى السلطان أبي الحسن يطالبه بعهد الطاعة وتأدية الجزية، فرفض أبو الحسن طلب الملكين النصرانيين بإباء، وأنذر السفير القشتالي بأنه ليس لديه سوى الحرب والجهاد. ولم يمض سوى قليل، حتى أغار القشتاليون على حصن بللنقة (فيلا لونجا) واستولوا عليه، وعاثوا في أحواز رندة. وردّ أبو الحسن على ذلك بإعلان الحرب على قشتالة، وزحف توّاً على بلدة (الصخرة Zahara) وهي قاعدة حصينة تقع على حدود الأندلس الغربية في شمال غربي مدينة رندة، وكان قد انتزعها القشتاليون منذ عهد قريب، فباغتها أبو الحسن، واستولى عليها عنوة، وقتل حاميتها وسبى سكانها (كانون الثاني - ديسمبر ١٤٨١ م). وبالرغم مما أحرزه أبو الحسن من الظفر في تلك المعركة الأولى، وبالرغم مما بثّه هذا الظفر في طوائف الشعب من الغبطة والحماسة، فقد اعتبر بعض العقلاء تصرفه اعتداءً لا مسوّغ له، وتوجسوا شراً من عواقبه. وتقول الرواية القشتالية: إن فقيهاً زاهداً شيخاً عرف بنبوءاته، كان بين الوفود التي ذهبت غداة هذا الانتصار إلى قصر الحمراء، وأنه صاح في وجه السلطان قائلاً: "ويل لنا. لقد دنت ساعتك يا غرناطة، ولسوف تسقط أنقاض الصخرة


(١) أنظر وثيقة الاتفاق: Archivo general de Simancas; P. R. ١١-٤، وفيها يصف فرديناند وإيزابيلا بما يأتي: "السلطان المعظم الكبير الشهير الأصيل دون هرندة، والسلطانة الكبيرة الشهيرة دوني قشبيل".

<<  <  ج: ص:  >  >>