ومصير ملكها وأنجادها، فإنها لم تنفرد بين قواعد الإسلام بذلك المصير المحزن. ألم يقتحم التتار بغداد، عروس الإسلام ومثوى الخلافة، ومهد العلوم، ويستبيحوا ذمارها وحُرَمها، ويسحقوا الخلافة وكل معالمها ورسومها؟ وماذا كانت تستطيع غرناطة إزاء قدر محتوم، وقضاء لا مردّ له؟: "والقضاء لا يردّ ولا يصد، ولا يغالب ولا يطالب، والدائرات تدور، ولابد من نقص وكمال للبدور، والعبد مطيع لا مطاع، وليس يطاع إلاّ المستطاع، وللخالق القدير جلّت قدرته، في خليقته علم غيب، للأذهان عن مداه انقطاع".
ثم يعطف إلى التجائه إلى ساحة السلطان بقوله:"وأبيها لقد أرهقتنا إرهاقاً، وجرّعتنا من صاب الأوصاب كأساً دهاقاً، ولم نفزع إلى غير بابكم المنيع الجناب، المتفتح حين سُدّت الأبواب، ولم نلبس غير لباس نعمائكم، حين خلعت ما ألبسنا الملك من الأثواب، وإلى أمّه يلجأ الطفل لجأ الله فان، وعند الشدائد تمتاز السيوف من الأجفان، ووجه الله يبقى، وكل ما عليها فان".
ويشير أبو عبد الله إلى ما عرضه عليه ملك إسبانيا، من الإقامة في كنفه وتحت حمايته فيقول:"ولقد عرض علينا صاحب قشتالة مواضمع معتبرة خير فيها، وأعطى من أمانه، المؤكد فيه خطه بأيمانه، ما يقنع النفوس ويكفيها، فلم نر ونحن من سلالة الأحمر، مجاورة الصُّفر، ولا سوّغ لنا الإيمان، الإقامة بين ظهراني الكفر، ما وجدنا عن ذلك مندوحة ولا شاسعة، وأمنا من المطالب المشاغب، سمة سرّ لنا لا سعة".
ثم يشير إلى إنه تلقى كذلك دعوات كريمة من المشرق للذهاب والإقامة، ولكنه آثر الجواز إلى المغرب، دار آبائه من قبل، وملاذهم دائماً عند النوائب، ولم يرتض سوى الانضواء الاّ لذلك الجناب، أعني سلاطين المغرب، الذين أوصى آباؤه وأجداده بالانضواء إليهم، وقت الخطر الداهم.
ويختم أبو عبد الله دفاعه، برثاء مؤثر لِمُلْكه ومصيره، فيقول: "ثم عزاء