للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تحدثنا عنها فيما تقدم والتي كان سفيره فيها بيترو مارتيري الحبر الكاتب المؤرخ، فأدى مارتيري سفارته ببراعة، واستطاع أن يقنع السلطان بما يلقاه مسلمو الأندلس من الرعاية، وأن يطمئنه على مصيرهم (١).

وهكذا خبت آمال المسلمين تباعاً، ولم تستمر ثورة المسلمين إلاّ في المنطقة الجبلية الواقعة بين آكام فليا لونجاو وسيرافرمليا (الجبال الحمراء) بجوار رندة، حيث احتشدت بعض البطون المغربية، وحيث استطاع الثوار أن يقتحموا شعب الجبال، وأن يفتكوا بعمال الحكومة وجندها. وسيَّر فرديناند إلى تلك المنطقة حملة قوية تحت قيادة قائده الشهير ألونسو دي آجيلار دوق قرطبة، ونفذ الجند الإسبان إلى شعب فليالونجا، ووقعت المعركة الحاسمة بين المسلمين والنصارى، فهُزِم النصارى هزيمة فادحة، وقتل منهم عدد ضخم، وكان قائدهم دى آجيلار وعدة آخرون من السادة الأكابر، في مقدمة القتلى (آذار - مارس ١٥٠١ م)، فكان لهذه النكبة التي نزلت بالجنود الإسبان وقوادهم، أعمق وقع في البلاط الإسباني. وهرع فرديناند إلى غرناطة، ورأى بالرغم مما كان يحدوه من عوامل السّخط والانتقام، أن يجنح إلى اللّين والمسالمة، فأعلن العفو عن الثوار بشرط أن يعتنقوا النصرانية في ظرف ثلاثة أشهر، أو يغادروا إسبانيا تاركين أملاكهم للدولة، فآثر معظمهم النفي والجواز إلى إفريقية، وهاجرت منهم جموع كبيرة إلى فاس ووهران وبجاية وتونس وطرابلس وغيرها، وقدمت الحكومة الإسبانية السفن اللازمة لنقلهم مغتبطة لرحيلهم (٢)، إذ كانوا أشد الناس مراساً وأكثرها نزوعاً إلى الثورة. واستقر الباقون وهم الكثرة الغالبة من المسلمين في البلاد، خاضعين مستسلمين، وقد وصفهم دى بداراثا، وهو مؤرخ من أحبار الكنيسة عاش قريباً من ذلك العصر بقوله: "إنهم شعب ذو مبادئ أخلاقية متينة، أشراف في معاملاتهم وتعاقدهم، ليس بينهم عاطل، وكلهم عامل، يعطفون أشدّ


(١) أنظر: Prescott: ibid; P. ٢٨٧ وكذلك: Dr. Lea: The Moriscos. P. ٣٦
(٢) Prescott. ibid; P. ٤٦٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>