للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مؤرخها ابن إياس، فكيف يجهلها السلطان ويقتنع بأن ملك إسبانيا النصراني يعامل المسلمين معاملة حسنة؟! إن حكام المسلمين يومئذٍ، الذين لم يمدّوا يد العون إلى إخوانهم المضطهدين في الأندلس، مقصِّرون أمام الله وأمام الناس تقصيراً لا يمكن الدفاع عنه ولا السكوت، وقد تظاهر سلطان مصر بأنه اقتنع بادعاء سفير ملك إسبانيا بأنه يعامل المسلمين بالحسنى، وهو لم يقتنع أبداً، ولكنه لم يكن عازماً على مدّ يد العون لمسلمي الأندلس.

ومضت السياسة الإسبانية في اضطهاد المسلمين والموريسكيين بمختلف الوسائل، وكان من الإجراءات الشاذة التي اتخذت في هذا السبيل، تشريع أصدره فرديناند بإلزام المسلمين والموريسكيين في المدن، بالسكنى في أحياء خاصة بهم، على نحو ما كان متّبعاً نحو اليهود في العصور الوسطى، ونفّذ هذا التشريع في غرناطة عقب حركة التنصير الشامل، وأفرد بها للمسلمين والمتنصِّرين حيّان، أحدهما يضمّ نحو خمسمائة منزل، وهو الحي الصغير وهو داخل المدينة، والثاني يضم نحو خمسة آلاف منزل، ويشمل ضاحية البيازين، وكانت الأحياء التي يشغلها المسلمون أو المتنصّرون في المدن الأندلسية تسمى: (موريريا Moreria) أو أحياء الموريسكيين، على نحو ما كانت أحياء يهود الخاصة تسمى: (الجيتو Ghetto) وكانت تفصل بينها وبين أحياء النصارى أسوار كبيرة، وكان عدد المسلمين الذين بقوا في غرناطة يبلغ في ذلك الحين نحو أربعين ألفاً (١).

وصدر في نفس الوقت في (أيلول - سبتمبر ١٥٠١ م) قانون يحرّم على المسلمين إحراز السلاح علناً أو سراً، وينص على معاقبة المخالفين لأول مرة


(١) Dr. Lea. The Moriscos, p. ٣١, ١٥١-١٥٢، ويبدو هذا الالتزام بسكنى المسلمين في أحياء خاصة في غرناطة وغيرها من المدن الأندلسية القديمة في كثير من المراسيم الملكية التي صدرت منذ سنة ١٥٠٠ م، مثال ذلك المرسوم الصادر بالإعفاء لأهل بسطة Arch Ar gln، والمرسوم الصادر بالعفو عن حيّ المسلمين ( Moreria) في غرناطة.

<<  <  ج: ص:  >  >>